كتاب فتح الباقي بشرح ألفية العراقي (اسم الجزء: 2)

وَقَالَ يَحْيَى بنُ أَبِي كثيرٍ: ((لا يُنَالُ العِلْمُ بِرَاحَةِ الْجَسَدِ)) (¬1).
وعَن الشَّافِعِيِّ: ((لا يَطْلبُ هَذَا العِلمَ مَنْ يطلبُهُ بالتَّمَلُّلِ - وفي رِوَايَةٍ بالْمَلَلِ - وغنَى النَّفْسِ فيُفْلِحُ، ولكِنْ مَنْ طلبَهُ بِذِلَّةِ النَّفْسِ، وضِيقِ العَيشِ، وخدمةِ العلمِ: أفْلَحَ)) (¬2).
(وابْدَأْ بِعَوالِي) شُيوخِ (مِصْرِكا) أي: بِأخْذِهَا عَنْهُمْ، والزمِ العُكُوفَ عَلَيْهِمْ حَتَّى تَسْتَوْفِيَها، (وَ) ابدأْ مِنْهَا (مَا) أي: بِمَا (يُهِمُّ) - بِضَمِّ اليَاءِ - من ذَلِكَ، وَغَيْرِهِ، كَمَرْويٍّ انْفَرَد بِهِ بَعْضُهُمْ.
قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: ((مَنْ شَغَلَ نَفْسَهُ بغيرِ الْمُهِمِّ، أضَرَّ بالْمُهِمِّ)) (¬3).
وإن اسْتَوَى جَمَاعَةٌ في السَّنَدِ، وَأَرَدْتَ الاقْتِصَارَ عَلَى أحَدِهِمْ، فاخْتَرْ الْمِشْهُورَ مِنْهُمْ في طَلَبِ الْحَدِيْثِ، والْمُشَار إِلَيْهِ بِالإتْقَانِ فِيْهِ والْمَعْرِفَةِ لَهُ (¬4).
فإنْ تَسَاوَوْا في ذَلِكَ أَيْضاً، فالأشْرَاف، وذَوِي الأنْسَابِ مِنْهُمْ، فإنْ تَسَاوَوْا في ذَلِكَ أَيْضاً، فَالأَسَنُّ (¬5).
(ثُمَّ) بَعْدَ اسْتِيفَائِك لأخذِ مَا بِمِصْرِكَ مِنْ مَرْويِّ شُيُوخِهَا (شُدَّ الرَّحْلا)، أَوْ امْشِ، أَوْ ارْكَبِ البَحْرَ حَيْثُ اسْتَطَعْتَ، وَغلَبَتْهُ السَّلامَةُ (لغَيْرِهِ) أي: لغيرِ مِصرِكَ مِنَ البُلْدَانِ، وغيرِهَا؛ لِتَجْمعَ بَيْنَ عُلُوِّ الإسْنادَيْنِ وعلم الطَّائِفَتَيْنِ.
وَلِخَبَرِ: ((مَنْ سَلَكَ طَرِيْقاً يَلْتَمِسُ فِيْهِ عِلْماً، سَهَّلَ اللهُ لَهُ بِهِ طَرِيْقاً إِلَى الْجَنَّةِ)) (¬6).
¬__________
(¬1) ساقة مسلم في صحيحه في موضع بعد أن ذكر المتابعات والطرق 1/ 428 رقم (175) طبعة محمد فؤاد، وهو في مدخل البيهقي: 277، وكذلك في جامع بيان العلم وفضله 1/ 109 بألفاظ متقاربة.
(¬2) الحلية 9/ 119، والمحدث الفاصل ص 202 الفقرة (84)، وجامع بيان العلم 1/ 98، وللخطيب البغدادي في الفقيه والمتفقه2/ 94 عدد من الأخبار عن الشافعي بنحو هَذَا المعنى.
(¬3) الجامع لأخلاق الرّاوي 2/ 160 (1485).
(¬4) الجامع 1/ 126 عقب (125).
(¬5) الجامع 1/ 127 عقب (127).
(¬6) جزء من حديث طويل رواه أبو خيثمة في العلم (25)، وابن أبي شيبة (26108)، وأحمد 2/ 252 و325 و406، والدارمي (351)، ومسلم 8/ 71 (2699)، وأبو داود (1455) و (3643)، وابن ماجه (225)، والترمذي و (2646) و (2945)، وابن حبّان (84)، والحاكم في المستدرك 1/ 88 - 89= = وابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله 1/ 13 - 14، والبغوي في شرح السنة (127) و (130)، كلهم من طرق عن الأعمش عن أبي صالح، عن أبي هريرة. به.

الصفحة 119