كتاب فتح الباقي بشرح ألفية العراقي (اسم الجزء: 2)
وَقَدْ رَحَلَ جَابرُ بنُ عَبْدِ اللهِ إِلَى عَبْدِ اللهِ بنِ أنِيسٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا - مَسِيْرَةَ شَهْرٍ في حَدِيْثٍ وَاحِدٍ (¬1).
وإذ رحَلْتَ فاسْلُك مَا سلَكْتَهُ في مِصْرِكَ مِنَ الابتِداءِ بالأهمِّ فالأَهَمِّ، (ولا تَسَاهَلْ) - بفتحِ التَّاء - (حَمْلاَ) أي: ولا تَتَسَاهَلْ في التَّحَمُّلِ، وَالسَّمَاعِ، بِحَيْثُ تُخِلُّ بِمَا عَلِيْكَ. ولا تَشْتَغِلْ في الغربةِ إلا بِمَا تَسْتَحِقُّ لأجْلِهِ الرِّحْلَة، فشهوةُ السَّمَاعِ - كَمَا قَالَ الْخَطِيْبُ (¬2) - لا تَنْتَهِي، والنَّهْمَةُ من الطَّلَبِ لا تَنْقَضِي، والعِلْمُ كالْبِحَارِ الْمُتَعَذَّرِ كَيْلُهَا، والْمَعَادِنِ التِي لا يَنْقَطِعُ نَيْلُهَا (¬3).
(واعملْ بِمَا تَسْمَعُ) بِمِصْرِكَ، وغيرِهَا مِنَ الأحَادِيْثِ التِي يُعْمَلُ بِهَا (في الفَضَائِلِ) والتَّرْغِيباتِ، فَقَدْ رُوِيَ أَنَّ رَجُلاً قَالَ: ((يا رَسُوْلَ اللهِ! ما يَنْفِي عَنِّي حجَّةَ الْجَهْلِ؟ قَالَ: العِلْمُ. قَالَ: فَمَا يَنْفِي عَنِّي حجَّةَ العِلْم؟ قَالَ: العَمَلُ)) (¬4).
وَقَالَ (¬5) إِبْرَاهِيْمُ بنُ إِسْمَاعِيْلُ بنِ مجمَّعٍ: ((كنَّا نَسْتَعِينُ عَلَى حِفْظِ الْحَدِيْثِ بالعَمَلِ بِهِ)) (¬6).
وَقَالَ الإِمَامُ أَحْمَدُ: ((مَا كَتَبْتُ حَدِيْثاً إلاَّ وَقَدْ عَمِلْتُ بِهِ، حَتَّى مَرَّ بِي في الْحَدِيْثِ أنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - احتَجَمَ، وأعْطَى أبَا طيبةَ دِيْنَاراً (¬7)، فأعْطَيتُ الْحَجَّامَ دِيْنَاراً حِيْنَ احْتَجَمْتُ)) (¬8).
¬__________
(¬1) انظر: الرحلة في طلب الحديث: 104.
(¬2) انظر: الجامع لأخلاق الرّاوي 2/ 245 عقب (1740).
(¬3) لم ترد في (ق).
(¬4) أخرجه الخطيب في اقتضاء العلم العمل: 4 من حديث عليّ - رضي الله عنه -. وانظر: فتح الباري 1/ 180 و 7/ 41 و 12/ 393 و 417.
(¬5) في (م) و (ع) زيادة: ((الشعبي ووكيع و)).
(¬6) الجامع لأخلاق الرّاوي 2/ 259 (1789).
(¬7) هذا الحديث اتفق على إخراجه الشيخان، البخاري 3/ 82 (2102) و 3/ 103 (2210) و 3/ 122 (2281) و 7/ 161 (5696). ومسلم 5/ 39 (1577). وهو في مسند أحمد 3/ 100 و 107 و 182، وانظر تخريجاً له موسعاً في كتاب " شمائل النبي - صلى الله عليه وسلم - " برقم (360).
(¬8) أورده الذهبي في السّير 11/ 213 وصدّره بقوله: ((وقال المرّوذي: قال لي أحمد ... )).
الصفحة 120