كتاب فتح الباقي بشرح ألفية العراقي (اسم الجزء: 2)

وَهَذَا لا يُنَافِي كَوْنَ الْحَيَاءِ مِنَ الإيْمَانِ؛ لأنَّ ذَلِكَ شَرْعِيٌّ يَقَعُ عَلَى وَجهِ الإجْلاَلِ، والاحْتِرَامِ للأكابِرِ، وَهُوَ مَحْمُوْدٌ، والذي هُنَا لَيْسَ بِشَرْعِيٍّ، بَلْ سَبَبٌ لِتَرْكِهِ، وَهُوَ مَذْمُومٌ.
(وَاجْتَنِبِ) أَنْتَ (كَتْمَ السَّمَاعِ) الَّذِي ظفرْتَ بِهِ لِشَيْخٍ، وكتمَ شَيخٍ انْفَرَدْتَ بِمَعْرِفَتِهِ عَنْ إخْوَانِكَ رجاءَ الانْفِرَادِ بِهِ عَنْهُمْ. (فَهْوَ) أي: الكتمُ (لُؤْمٌ) مِنْ فَاعِلِهِ، ويُخْشَى عَلَيْهِ عَدَمُ الانْتِفَاعِ بِهِ.
وفي الْحَدِيْثِ الصَّحِيْحِ: ((الدِّيْنُ النَّصِيْحَةُ)) (¬1).
وَعَنْ يَحْيَى بنِ مَعِيْنٍ: ((مَنْ بَخِلَ بِالْحَدِيْثِ، وكَتمَ عَلَى النَّاسِ سَمَاعَهُمْ، لَمْ يُفْلِحْ)) (¬2).
وعَنْ ابنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُمَا- مَرْفُوعاً: ((يَا إِخْوَانِيْ! تَنَاصَحُوا في العِلْمِ وَلاَ يَكْتُمُ بَعْضُكُمْ بَعْضاً فَإِنَّ خِيَانَةَ الرَّجُلِ فِيْ عِلْمِهِ أَشَدُّ مِنْ خِيَانَتِهِ فِيْ مَالِهِ)) (¬3).
نَعَمْ: لَهُ الكتْمُ عَنْ مَنْ لَمْ يَرَهُ أهْلاً، أَوْ يَكُوْنُ مِمَّنْ لا يقبلُ الصَّوَابَ إِذَا أرْشَدَهُ إِلَيْهِ، أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ. فعنِ الْخَلِيلِ بنِ أَحْمَدَ أنَّهُ قَالَ لأبِي عُبَيْدَةَ مَعْمَرِ بنِ الْمُثَنَّى: ((لا ترُدَّنَّ عَلَى معجبٍ خَطأً، فَيستَفِيدَ مِنْكَ عِلْماً، ويتَّخِذَكَ بِهِ عَدُوّاً)) (¬4).
¬__________
(¬1) أخرجه الحميدي (837)، وأحمد 4/ 102، ومسلم 1/ 53 (55) (95) (96) و 54 (55) (96)، وأبو داود (4944)، والنسائي 7/ 156، وعبد الله بن أحمد في زوائده على المسند 4/ 102 من طرق عن عطاء بن يزيد الليثي، عن تميم الداري، به.
قلنا: وهو مروي أيضاً من حديث ابن عبّاسٍ، وابن عمرو وغيرهما.
(¬2) الجامع لأخلاق الرّاوي 1/ 240 (477).
(¬3) رواه الطبراني في الكبير برقم (11701)، وأبو نعيم في الحلية 9/ 20، والخطيب في تاريخه 3/ 43 و 6/ 357 و 389، وفي الجامع 2/ 149 (1449)، وابن الشجري في أماليه 1/ 49، وابن الجوزي في الموضوعات 1/ 231 من طرق عن ابن عبّاسٍ، وهو حديث تالف لا يصح بحالٍ. وانظر: مجمع الزوائد 1/ 141.
(¬4) الجامع لأخلاق الرّاوي 2/ 154 (1468).

الصفحة 122