كتاب فتح الباقي بشرح ألفية العراقي (اسم الجزء: 2)

قَالَ: و ((كُلُّ حَدِيْثٍ عَزَّ (¬1) عَلَى الْمُحَدِّثِ، وَلَمْ يَجِدْهُ عَالِياً، ولاَبُدَّ لَهُ مِن إيْرَادِهِ في تَصْنِيفٍ، أَوْ احْتِجَاجٍ بِهِ، فمِنْ أيِّ وَجْهٍ أوْرَدَهُ، فَهُوَ عَالٍ لِعِزَّتِهِ)) (¬2).
(وضدُّهُ) (¬3) - أي: العُلُوِّ - (النُّزُولُ) فتَتَنَوَّعُ أقْسَامُهُ (كالأنْواعِ) السَّابِقَةِ لِلْعُلُوِّ، فأقْسَامُهُ خَمْسَةٌ، وَتَفْصِيلُهَا يدركُ من تَفْصِيلِ أقْسَامِ العُلُوِّ (¬4).
(وَحَيْثُ ذُمَّ) النُّزُولُ، كَقَوْلِ ابنِ الْمَدِيْنِيِّ (¬5)، وغَيْرِهِ (¬6): ((إنَّهُ شُؤْمٌ)). وَقَوْلِ ابنِ مَعِيْنٍ: ((إنَّهُ قرحةٌ (¬7) في الوجْهِ)) (¬8)، (فَهْوَ مَا لَمْ يُجبَرِ) بِصِفَةٍ مرجَّحَةٍ.
فإنْ جُبِرَ بِها كَزِيَادَةِ الثِّقَةِ في رِجَالِهِ عَلَى العَالِي، أَوْ كونِهِمْ أحْفَظَ، أَوْ أضْبَطَ، أَوْ أفْقَهَ، أَوْ كونِهِ مُتَّصِلاً بِالسَّمَاعِ. وَفِي العَالِي (¬9) حُضورٌ، وإجَازَةٌ، أَوْ مُناوَلَةٌ، أَوْ تَسَاهُلٌ مِنْ بَعْضِ رُوَاتِهِ في الْحَمْلِ، فالنُّزُولُ حِيْنَئذٍ لَيْسَ بِمَذْمُومٍ، ولا مَفْضُولٍ بَلْ فَاضَلٌ، كَمَا صرَّحَ بِهِ السِّلَفيُّ (¬10) وغيرُهُ (¬11).
قَالُوْا: ((والنَّازِلُ حِينْئِذٍ هُوَ العَالِي في الْمَعْنَى عِنْدَ النَّظَرِ والتَّحْقِيقِ)).
وَقَدْ نَبَّهَ عَلَيْهِ بقولِهِ: (والصِّحَّةُ) مَعَ النُّزُولِ هِيَ (العُلُوُّ) الْمَعْنَوِيُّ (عِنْدَ النَّظَرِ). والعَالِي عَدَداً عِنْدَ فَقْدِ الضَّبْطِ، والإتْقَانِ عُلُوٌّ صوريٌّ، فَكَيفَ عِنْدَ فَقْدِ التَّوْثِيقِ (¬12)؟
¬__________
(¬1) في العلو والنزول: ((عسر))، وما أثبتناه أشبه بالصواب.
(¬2) العلو والنزول: 86 (62).
(¬3) كتب ناسخ (ع) نصاً مفاده بلوغ المقابلة.
(¬4) معرفة أنواع علم الحديث: 430، وفتح المغيث 3/ 24 - 25.
(¬5) الجامع 1/ 123 (119).
(¬6) هو أبو عمرو المستملي. الجامع 1/ 123 - 124 رقم (120).
(¬7) القرحة: البشرة إذا دبّ فيها الفساد. انظر: المعجم الوسيط 2/ 724 (قرح).
(¬8) الجامع 1/ 123 (118).
(¬9) في (ع): ((المعالي)).
(¬10) انظر: شرح التبصرة والتذكرة 2/ 376.
(¬11) كابن معينٍ وابن مهدي وعبيد الله بن عمرو وأبي بكر بن الأنباري ومحمد بن عبيد الله العامري. كما نقله عن جميعهم الخطيب في الجامع 1/ 124 - 125.
(¬12) بعد هذا في (ق): ((فتأمل)).

الصفحة 144