كتاب فتح الباقي بشرح ألفية العراقي (اسم الجزء: 2)

(وَهْوَ) أي: النَّسْخُ (قَمِنْ) - بكسر الميم، وفتحها، والكسر هُنا أنسبُ - أي: حقيقٌ (¬1) (أنْ يُعْتَنَى بِهِ) لجلالَتهِ، وغموضِهِ.
(وَكَانَ) الإمامُ (الشَّافِعِي) رَحِمَهُ اللهُ تعالى (ذا) أي: صاحبَ (عِلْمِهِ) اتقاناً، واستنباطاً، وترتيباً.
وَقَدْ قَالَ الإمامُ أَحْمَدُ: ((مَا علمنا الْمجْمَل من المفسَّرِ، ولا ناسخَ حَدِيْثِ رَسُوْلِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مِن منسوخِهِ حَتَّى جالسنَا الشَّافِعِيَّ)) (¬2).
(ثم بِنَصِّ الشارِعِ) - صلى الله عليه وسلم - عَلَى نسخِ أحدِ الخبرينِ بالآخرِ، كقولِهِ: ((هَذَا ناسخٌ لهذا))، وقولُهُ - صلى الله عليه وسلم -: ((كُنْتُ نَهَيْتُكُمْ عَنْ زِيَارَةِ القُبُورِ فَزُوْرُوْهَا)) (¬3).
(أَوْ) بنصِّ (صاحبٍ) مِن أصْحابِهِ عَلَيْهِ، كقولِ (¬4) جابرٍ: ((كَانَ آخِرَ الأمْرَيْنِ مِنْ رَسُوْلِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - تَرْكُ الوُضُوْءِ مِمَّا مَسَّتِ النَّارُ)) (¬5).
(أَوْ) بأنْ (عُرِفَ التَّاريخُ) بأَنْ عُرِفَ تأخرُ تاريخِ أحدِهمَا عَنِ الآخرِ وَتعذَّرَ الْجَمْعُ بينَهُما، كَخبرِ شدَّادِ بنِ أوسٍ مَرْفُوعاً: ((أفْطَرَ الْحَاجِمُ والْمَحْجُوْمُ)) (¬6).
ذكرَ الشَّافِعِيُّ (¬7) أنَّه منسوخٌ بخبرِ ابنِ عباسٍ: ((أنَّ النَبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - احْتَجَمَ وَهُوَ مُحْرِمٌ صَائِمٌ)) (¬8)، فإنَّ ابنَ عَبَّاسِ إنما صَحِبَهُ مُحرماً في حجةِ الوداعِ سنةَ عشرٍ،
¬__________
(¬1) انظر: الصحاح 6/ 2184.
(¬2) أسنده إليه أبو نعيم في الحلية 9/ 97، والبيهقي في مناقب الشافعي 1/ 262، والحازمي في الاعتبار: 3.
(¬3) أخرجه أحمد 5/ 356و359و361، ومسلم 3/ 65 (977) و6/ 82 (1977)، أبو داود (2535)، وابن ماجه (3405)، والترمذي (1054) و (1510) و (1869)، والطحاوي في شرح المعاني 4/ 186 و228، وفي شرح المشكل (4745)، والبغوي (1553).
(¬4) في (م): ((كقوله)).
(¬5) أخرجه أبو داود (192)، والنسائي 1/ 108، وابن خزيمة (43) جميعهم من طريق علي بن عياش، عن شعيب بن أبي حمزة، عن محمّد بن المنكدر، عن جابر.
(¬6) أخرجه أحمد 4/ 123 و124، والدارمي (1737)، وأبو داود (2368) و (2369)، وابن ماجه (1681)، والنسائي في الكبرى (3138) - (3155).
(¬7) اختلاف الحديث: 144. أخرجه بسنده إليه الحازمي في الاعتبار: 108.
(¬8) أخرجه الشافعي 1/ 255 وفي المسند بتحقيقنا (915) (916)، والطيالسي (2700) وعبد الرزاق (7541)، والحميدي (501)، وعلي بن الجعد (3104)، وابن أبي شيبة (14588)، وأحمد 1/ 215= =و222، وأبو داود (2373)، والترمذي (777)، وأبو يعلى (2471)، والطحاوي 2/ 101، والطبراني (12137)، والدارقطني 2/ 239، والبيهقي 4/ 263، وانظر التعليق على جامع الترمذي 2/ 139.

الصفحة 171