كتاب فتح الباقي بشرح ألفية العراقي (اسم الجزء: 2)

وهذا وإنْ تَقدَّمَ في العَنْعَنَةِ أعادَهُ هنا، لاخْتِلافِ الغرضِ، إِذْ الغَرضُ ثُمَّ أن يرتِّب عَلَيْهِ الحكمَ بالاتصالِ، وهنا أن يرتِّبَ عَلَيْهِ مَا ذكرَهُ بقولِهِ: (وَهْيَ) أي: ((عَنْ)) (قَريْبَةٌ) استِعْمَالاً، (لِمَنْ) أي لِشيخٍ (سَمَاعُهُ مِن (¬1) شَيْخِهِ فِيهِ يشُكْ) مَعَ تيقُّنِ إجازتِهِ مِنْهُ.
(وَحَرفُ ((عَنْ)) بَيْنَهُما) أي: السَّمَاعِ والإجازةِ، (فَمُشْتَركْ) أي: صادقٌ بِهما (¬2).
وَأَدْخَلتُ ((الفاءَ)) فِي الْخَبرِ عَلَى رأي الأَخْفَشِ، لاَ الكِسائِيِّ (¬3)، كَمَا وقعَ للنّاظِمِ.
(و) أمَّا مَا (في) صَحِيْحِ (البُخَارِيْ) بالإسْكَانِ - مِن قَوْلِهِ: (قَالَ لِي) فُلاَنٌ (فَجَعَلَهْ حِيْرِيُّهم) أي: الْمُحَدِّثِيْنَ، وَهُوَ - بالحاء المُهْمَلَة - أَبُو جَعْفَرٍ أَحْمَدُ بنُ حمدان النَّيْسَابُوْرِيُّ الْحِيْرِيُّ (للعرضِ) أي: لما أخذَهُ البُخَارِيُّ عَلَى وجهِ العرضِ، (والمناولهْ) (¬4).
¬__________
(¬1) في (م): ((عن)).
(¬2) معرفة أنواع علم الحديث: 332.
(¬3) يشترط لجواز دخول الفاء على الخبر أن يكون المبتدأ متضمناً معنى الشرط، وذلك في حالتين
الأولى: أن يكون المبتدأ اسماً موصولا.
الثانية: أن يكون المبتدأ نكرة عامة موصوفة.
وفي كلا الحالتين لابد أن تكون صلة الخبر أو صفته ظرفاً أو جاراً ومجروراً أو جملةً فعلية غير شرطية. وذلك نحو قوله تَعَالَى: {الّذين ينفقون أموالهم باللّيل والنّهار سرّاً وعلانيةً فلهم أجرهم عند
ربّهم} (البقرة: 274)، وقوله تَعَالَى: {وما بكم من نعمةٍ فمن الله} النحل: 53.
فإن لم يكن كذلك امتنع دخول الفاء على الخبر عند الجمهور نحو ((زيد منطلق))، وأجاز أبو الحسن الأخفش دخول الفاء في هذه الحالة أيضا على اعتبار أنّ الفاء زائدة. انظر: المقرب: 93، وشرح المفصل 1/ 99 - 100، وشرح الرضي على الكافية 1/ 101، ومغني اللبيب 1/ 16، والفوائد الضيائية 1/ 289 - 291، وشرح الأشموني 1/ 225 وفتح المغيث 2/ 120، وشرح السيوطي: 292 - 293.
(¬4) هذا القول تعقبه الحافظ ابن حجر في نكته على ابن الصلاح 2/ 601، فقال: ((فيه نظر؛ فقد رأيت في الصحيح عدة أحاديث قال فيها: قال لنا فلان، وأوردها في تصانيفه خارج الجامع بلفظ: ((حدثنا))، ووجدت في الصحيح عكس ذلك، وفيه دليل على أنهما مترادفان، والذي تبين لي بالاستقراء من صنيعه أنه لا يعبر في الصحيح بذلك إلا في الأحاديث الموقوفة أو المستشهد بها، فيخرج ذلك حيث يحتاج
إليه عن أصل مساق الكتاب)) وانظر: الفتح 2/ 188 و 9/ 433 و 10/ 11.

الصفحة 18