كتاب فتح الباقي بشرح ألفية العراقي (اسم الجزء: 2)

وَقِيْلَ: يقبلُ الداخلُ فِيْهَا إذا انْفَرَدَ؛ لأنَّ الأصلَ العَدالةُ، وشَككنَا في ضِدِّهَا، ولا يقبلُ مع مُخَالفتِهِ لتحققِ (¬1) إبْطالِ أحدِهما من غيرِ تَعيينٍ.
وَقِيْلَ: القَوْلُ بالعدالةِ مُخْتَصٌّ بِمَنْ اشْتُهِرَ مِنْهُمْ، ومَنْ عداهم، كسائِرِ النَّاسِ.
وَالصَّحِيْحُ الأوَّلُ تَحْسِيناً للظَّنِّ بِهِمْ، وحَملاً لِمَنْ دخلَ في الفِتْنَةِ عَلَى الاجْتِهادِ.
ولا التفاتَ إلى ما يذكرُهُ أهلُ السِّيَرِ؛ فإن أكثرَهُ لَمْ يصِحَّ، وما صَحَّ فَلَهُ تَأْويلٌ صَحِيْحٌ، وما أَحْسنَ قَوْلَ عمرَ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ - رَحِمَهُ اللهَ -: ((تِلْكَ دِماءٌ طهَّرَ اللهُ مِنْهَا سيوفَنَا، فلا نخضِّبْ بِهَا أَلْسِنَتَنَا)) (¬2).
قَالَ ابنُ الأنباريِّ: ((وليسَ الْمُرادُ بِعَدَالتِهِمْ ثُبوتَ عِصْمَتِهِمْ واسْتِحَالَةَ الْمَعْصِيةِ مِنْهُمْ، بَلْ قَبولَ رواياتِهِم مِن غَيْرِ بَحْثٍ عَنْ عَدالتِهِم، وطلبِ تَزْكِيَتِهمْ)) (¬3).
ثُمَّ بيَّنَ الْمُكثرينَ مِنْهُمْ روايةً، وفتوى، فَقَالَ: (والْمُكْثِرونَ) مِنْهُمْ رِوَايَةً، وهم مَنْ زادَ حديثُهم عَلَى ألفٍ، (سِتَّةُ)، وَهُمْ: (أَنَسٌ) هُوَ ابنُ مالكٍ، (وابنُ عمرَ) عَبْدُ اللهِ، (وَ) عَائِشَةُ (الصِّدِّيقَةُ) بنتُ الصِّدِّيقِ، و (البَحْرُ) عَبْدُ اللهِ بنُ عَبَّاسٍ (¬4) سُمِّيَ بَحْراً، لِسعةِ عِلْمِهِ (¬5)، و (جابِرٌ) هُوَ ابنُ عَبْدِ اللهِ، و (أَبُو هُرَيْرَةِ)، وَهُوَ (أكْثَرُهُمْ) أي: الستَّةُ رِوَايَةً؛ لأنَّهُ رَوَى خمسةَ آلافِ حَدِيْثٍ وثلاثَ مِئَةٍ وأربعةً وسبعينَ حَدِيْثاً.
¬__________
(¬1) في (م): ((لتحقيق)).
(¬2) حلية الأولياء 9/ 114.
(¬3) نقله السخاوي في فتح المغيث 3/ 96، ونقله عن السخاوي اللكنوي في ظفر الأماني: 507.
(¬4) أطلق عليه هذا اللقب جابر كما أخرج ذلك الحاكم في " مستدركه " 3/ 535 قال: ((أخبرنا أبو
عبد الله الصفار قال: حدّثنا إسماعيل بن إسحاق قال: حدّثنا سليمان بن حرب وعارم بن الفضل قالا: حدّثنا حماد بن زيد، عن عمرو بن دينار قال: ذكر عند جابر لحوم الحمر الأهلية فقال: أبى ذاك البحر يعني ابن عباس ... )). وجابر هذا: هو أبو الشعثاء.
(¬5) قال الحاكم في مستدركه3/ 535: ((أخبرنا أبو عبد الله، قال: حدّثنا إسماعيل بن إسحاق، قال: حدّثنا ابن نمير، قال: حدّثنا أبو أسامة، قال: حدّثنا الأعمش، عن مجاهد قال: كان ابن عباس يسمى البحر لكثرة علمه)).

الصفحة 191