كتاب فتح الباقي بشرح ألفية العراقي (اسم الجزء: 2)

(وَقَالَ يَحْيَى) بنُ مَعِيْنٍ: بَلْ (يَجِبُ) النَّظرُ فِيْهَا. فَقَدْ سُئِلَ عمَّنْ لَمْ يَنْظُرْ في الْكِتَابِ، والْمُحدّثُ يقرأُ: أَيجوزُ لَهُ أنْ يحدِّثَ بِذَلِكَ عَنْهُ؟ فَقَالَ: ((أما عِندي فَلاَ، وَلَكِنْ عامةُ الشّيوخِ هَكَذَا سَماعُهم)) (¬1).
قَالَ ابنُ الصَّلاَحِ: ((وهذا مِن مَذاهبِ الْمُتَشَدِّدِينَ في الرِّوَايَةِ، وَالصَّحِيْحُ: عدمُ اشتراطِهِ، وصِحةُ السَّمَاعِ، وَلَوْ لَمْ ينظرْ أصْلاً في الكِتَابِ حالةَ القراءةِ)) (¬2).
ثُمَّ ما مَرَّ مِن أنَّه يُشْترطُ في صِحَّةِ الرِّوَايَةِ الْمُقابلةُ، هُوَ مَا اعتمدَهُ كَثِيْرٌ، مِنْهُمْ: القاضِي عِيَاضٌ حَيْثُ قَالَ: ((لا تَحِلُّ الرِّوَايَةُ مِن كِتَابٍ لَمْ يُقابَلْ؛ لأنَّ الْفِكْرَ يَذْهَبُ، والقلبَ يَسْهُو، والبصَرَ يزيغُ، والقلمَ يَطغَى)) (¬3).
(وَجَوَّزَ الأسْتَاذُ) أَبُو إسْحَاقَ الإسفرايينِيُّ (¬4) (أنْ يَرْوِيَ) الرَّاوِي (مِنْ) كتابٍ (غَيْرِ مقابَلٍ، و) عزا الْجَوازَ أَيْضاً (للخَطيبِ) (¬5)، لَكِنْ (إنْ بيَّنَ) عِنْدَ الرِّوَايَةِ أنَّهُ لَمْ يُقابِل، (و) كَانَ (النَّسْخُ) لِذَلِكَ الكِتَاب (مِنَ اصلٍ) معتمَدٍ بدرجِ الْهَمْزةِ.
وَسَبَقَهُ إِلَى ذَلِكَ جَمَاعَةٌ مُقْتَصِرينَ عَلَى الشَّرْطِ الأوَّلِ.
(ولْيُزَدْ) شَرْطٌ ثَالِثٌ هُوَ: (صِحَّةُ نَقْلِ ناسِخٍ) لِذَلِكَ الكِتاب، بأنْ لا يَكُوْنَ سَقيمَ النَّقْلِ كَثِيْرَ السَّقْطِ، (فَالشَّيخُ) ابنُ الصلاحِ (قَدْ شَرَطَهُ) أي مَا ذكرَ مِن صِحّةِ النَّقْلِ (¬6).
(ثُمَّ اعْتبِرْ) أَنْتَ (مَا ذُكِرا) مِنَ الشُّروطِ (فِي أصْلِ الاصلِ) - بدرجِ الهمزة - كَمَا اعتبرتَها في أصلِ شيخِكَ.
و (لا تَكُنْ) أَنْتَ بِقلّةِ مُبالاتِكَ بِعَدمِ الضَّبْطِ، والإتقان (مُهوِّرا)، كمَنْ إِذَا رأى سَمَاعَ شيخٍ لكتابٍ قرأَهُ عَلَيْهِ مِنْ، أي نُسخةٍ اتفقَتْ.
والتهوُّر: الوقُوْعُ في الشَّيْءِ بقلةِ مبالاةٍ. قَالَهُ الجوهريُّ (¬7)، وغيرُهُ.
¬__________
(¬1) الكفاية: (351 ت، 238 هـ‍).
(¬2) معرفة أنواع علم الحديث: 354.
(¬3) الإلماع: 159.
(¬4) معرفة أنواع علم الحديث: 354، وشرح التبصرة والتذكرة 2/ 221.
(¬5) الكفاية: (352 ت، 239 هـ‍).
(¬6) معرفة أنواع علم الحديث: 355.
(¬7) الصحاح 2/ 856، مادة (هور)، وانظر: النكت الوفية 29/أ.

الصفحة 47