كتاب فتح الباقي بشرح ألفية العراقي (اسم الجزء: 2)

يَسْمَعْهُ، أوْ بالعَكْسِ اتُّهِمَ بِنِسْيَانِهِ لِقِلَّةِ حِفْظِهِ، فَيَجِبُ عَلَيْهِ (¬1) أنْ يَرْوِيَهُ تَامّاً؛ لِيَنْفِيَ هَذِهِ الظِّنَّةَ عَنْ نَفْسِهِ (¬2).
(فإنْ أبَى) أي: خَالَفَ، ورَوَاهُ ناقِصاً فَقَطْ، (فَجَازَ) لِهَذَا العُذْرِ (¬3)، أعْنِي خَوْفَ اتِّهَامِ الزِّيَادةِ (أنْ لاَ يُكْمِلَهْ) بَعْدَ ذَلِكَ، ويَكْتُمَ الزِّيَادةَ.
قَالَ ابنُ الصَّلاَحِ: ((مَنْ كانَ هَذَا حَالَهُ، فَلَيْسَ لهُ أنْ يَرْوِيَ الحَدِيْثَ نَاقِصاً، إنْ كَانَ قَدْ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ أدَاءُ تَمَامِهِ؛ لأنَّهُ إذا رَوَاهُ أوَّلاً نَاقِصاً أَخْرَجَ بَاقِيَهِ عَنِ حَيِّزِ الاحْتِجَاجِ بهِ، ودَارَ بَيْنَ أنْ لاَ يَرْوِيَهُ أصْلاً؛ فَيُضَيِّعَهُ رأْساً، وبَيْنَ أنْ يَرْوِيَهُ مُتَّهَماً فِيْهِ بالزِّيَادَةِ؛ فَيُضَيِّعَ ثَمَرَتَهُ لِسُقُوطِ الحُجَّةِ فِيْهِ)) (¬4).
هَذَا كُلُّهُ إذا اقْتَصَرَ عَلَى بَعْضِ الحَدِيْثِ في الرِّوَايَةِ، (أمَّا إذَا قُطِّعَ) الحَدِيْثُ الواحِدُ المُشْتَمِلُ عَلَى أحكَامٍ (في الأبْوَابِ) بِحَسبِ الاحْتِجَاجِ بهِ عَلَى مَسْأَلَةٍ مَسْأَلَةٍ (فَهْوَ إلى الجَوَازِ ذُو اقْتِرَابِ) أي: أقْرَبُ، ومِنَ المَنْعِ أبْعَدُ.
وقَدْ فَعَلَهُ مِنَ الأَئِمَّةِ: مَالِكٌ، وأَحْمَدُ، والبُخَارِيُّ، وأبو دَاوُدَ، والنَّسَائِيُّ، وغَيْرُهُمْ (¬5)، وحَكَى الخَلاَّلُ عَنْ أحْمَدَ أنَّهُ يَنْبَغِي أنْ لاَ يُفْعَلَ (¬6). قَالَ ابنُ الصَّلاَحِ:
((ولاَ يَخْلُو مِنَ كَرَاهِيَةٍ)) (¬7).
¬__________
(¬1) لم ترد في (ق).
(¬2) انظر: الكفاية: (293 ت، 193 هـ‍)، ومعرفة أنواع علم الحديث: 379.
(¬3) ساقطة من (ق).
(¬4) معرفة أنواع علم الحديث: 379.
(¬5) انظر: الكفاية: (294 - 295 ت، 193 - 194 هـ‍)، ومعرفة أنواع علم الحديث: 379، وشرح التبصرة والتذكرة 2/ 269.
(¬6) انظر: الكفاية: (295 ت، 194 هـ‍).
(¬7) نازع النووي ابن الصّلاح فقال: ((وما أظنه يوافق عليه)). التقريب: 135.
وقال السخاوي: ((وصرح الرشيد العطار بالخلاف فيه، وأن المنع ظاهر صنيع مُسلم فإنه لكونه لم يقصد ما قصده البخاري من استنباط الأحكام يورد الحديث بتمامه من غير تقطيع له ولا اختصار إذا لم يقل فيه مثل حديث فُلان أو نحوه)). فتح المغيث 2/ 223.

الصفحة 77