كتاب فضل الرحيم الودود تخريج سنن أبي داود (اسم الجزء: 1)

وقد اعتنى أبو داود بتصنيف السنن عناية كبيرة، حيث انتقاها من خمسمائة ألف حديث، كان يذاكر بمائة ألف منها، قال أبو داود: "كتبت عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- خمسمائة ألف حديث، انتخبت منها ما ضمنته هذا الكتاب -يعني: كتاب السنن-، جمعت فيه أربعة آلاف حديث وثمانمائة حديث، ذكرت الصحيح وما يشبهه، وما يقاربه" [تاريخ بغداد (٩/ ٥٧)، طبقات الحنابلة (١/ ٤٣١)، تاريخ دمشق (٢٢/ ١٩٦)، شروط الأئمة الستة (٦٨)، السير (١٣/ ٢٠٣)، البدر المنير (١/ ٢٩٩)، ختم سنن أبي داود لعبد الله بن سالم البصري (٦٥)].
وقد اجتهد في إخراج أصح ما عنده في الباب [رسالة أبي داود إلى أهل مكة (٢٢ و ٢٦)، البدر المنير (١/ ٣٠٠)].
وقال أبو داود: "ما كان في كتابي من حديث فيه وَهَنٌ شديد فقد بيَّنته، وما لم أذكر فيه شيئًا فهو صالح، وبعضها أصح من بعض" [رسالة أبي داود إلى أهل مكة (٢٧)، البدر المنير (١/ ٣٠٠)، النفح الشذي (١/ ٢٤)، التقييد والإيضاح (٥٢)، تدريب الراوي (١/ ١٦٧)، وانظر: رسالة أبي داود إلى أهل مكة (٢٥)].
قال الذهبي في السير (١٣/ ٢١٤): "قلت: فقد وفَّى -رحمه الله- بذلك بحسب اجتهاده، وبيَّن ما ضعفُه شديدٌ، ووهنُه غير محتمل، وكاسَرَ عن ما ضعفه خفيف محتمل، فلا يلزم من سكوته والحالة هذه عن الحديث أن يكون حسنًا عنده، ولا سيما إذا حكمنا على حد الحسن باصطلاحنا المولَّد الحادث، الذي هو في عرف السلف يعود إلى قسم من أقسام الصحيح الذي يجب العمل به عند جمهور العلماء، أو الذي يرغب عنه أبو عبد الله البخاري ويمشيه مسلم وبالعكس، فهو داخل في أداني مراتب الصحة، فإنه لو انحط عن ذلك لخرج عن الاحتجاج ولبقي متجاذبًا بين الضعف والحسن.
فكتاب أبي داود أعلى ما فيه من الثابت: ما أخرجه الشيخان، وذلك نحو من شطر الكتاب، ثم يليه: ما أخرجه أحد الشيخين ورغب عنه الآخر، ثم يليه: ما رغبا عنه وكان إسناده جيدًا سالمًا من علة وشذوذ، ثم يليه: ما كان إسناده صالحًا وقبله العلماء لمجيئه من وجهين لينين فصاعدًا يعضد كل إسناد منهما الآخر، ثم يليه: ما ضعُف إسناده لنقص حفظ راويه فمثل هذا يمشيه أبو داود ويسكت عنه غالبًا، ثم يليه: ما كان بَيِّن الضعف من جهة راويه فإذا لا يسكت عنه بل يوهنه غالبًا، وقد

الصفحة 13