كتاب فضل الرحيم الودود تخريج سنن أبي داود (اسم الجزء: 1)

كان يحمل مع النبي - صلى الله عليه وسلم - إداوةً لوَضوئه وحاجته، فبينما هو يتبعه بها، فقال: "من هذا؟ " فقال: أنا أبو هريرة، فقال: "ابغني أحجارًا أستنفض بها [وفي رواية: أستطيب بهن]، ولا تأتني بعظم ولا بروثة، فأتيته بأحجار أحملها في طرف ثوبي، حتى وضعتها إلى جنبه، ثم انصرفت، حتى إذا فرغ مشيت معه، فقلت: ما بال العظم والروثة؟ قال: "هما من طعام الجن، وإنه أتانى وفد جن نَصِيبين، ونعم الجن!، فسألوني الزاد، فدعوت الله لهم أن لا يمروا بعظم ولا بروثة إلا وجدوا عليها طعامًا".
هذا هو الصحيح الثابت في تعليل النهي عن الاستنجاء بالعظم والروث، وهو لكونهما من طعام الجن، ويلتحق بهما جميع المطعومات التي للآدميين قياسًا من باب الأولى، وكذا المحترمات كأوراق كتب العلم [انظر: الفتح (١/ ٣٠٨)، شرح العمدة لابن تيمية (١/ ١٦٠)، المغني (١/ ١٠٤)].
• وأما تعليل النهي بكونهما لا يطهران، فقد رُوي من حديث أبي هريرة:
يرويه يعقوب بن حميد بن كاسب: نا سلمة بن رجاء، عن الحسن بن فرات القزاز، عن أبيه، عن أبي حازم الأشجعي، عن أبي هريرة، قال: إن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى أن يُستنجى بعظم أو روث، وقال: "إنهما لا يطهران".
أخرجه ابن عدي في الكامل (٣/ ٣٣١)، والإسماعيلي في معجم شيوخه (٢/ ٦٦٩)، والدارقطني في السنن (١/ ٥٦)، وفي العلل (٨/ ٢٤٠)، وابن الجوزي في التحقيق (١/ ١٢٥/ ١١٠).
قال الدارقطني: "إسناد صحيح".
وقال ابن عدي: "لا أعلم رواه عن فرات القزاز غير ابنه الحسن، وعن الحسن: سلمة بن رجاء، وعن سلمة: ابن كاسب، ولسلمة بن رجاء غير ما ذكرت من الحديث، وأحاديثه أفراد وغرائب، ويحدث عن قوم بأحاديث لا يتابع عليها".
وقال ابن حجر في الدراية (١/ ٩٧): "إسناده حسن".
وما قاله ابن عدي هو الصواب في إنكاره لهذا الحديث؛ لتفرد هؤلاء به بهذه الزيادة "إنهما لا يطهران"، والتبعة فيه: إما على سلمة بن رجاء، فقد قال فيه الدارقطني وابن عدي بأنه ينفرد عن الثقات بأحاديث لا يتابع عليها [التهذيب (٣/ ٤٣١)، الميزان (٢/ ١٨٩)].
وإما على ابن كاسب فقد ضعفه جماعة لكثرة مناكيره وغرائبه، وهو في الأصل صدوق من علماء الحديث [التهذيب (٩/ ٤٠١)، الميزان (٤/ ٤٥٠)].
وابن كاسب: مدني نزل مكة، وقد تفرد بهذا الحديث عن أهل الكوفة ولم يتابع عليه، فالإسناد كله كوفيون سواه؛ فالحمل عليه فيه أولى، والله أعلم.
وقد رواه بدون الزيادة: نصر بن حماد البصري الوراق، عن شعبة، عن فرات، عن أبي حازم، عن أبي هريرة: نهى أن يُستنجى بعظم أو روث.
أخرجه الدارقطني في العلل (٨/ ٢٣٩).

الصفحة 138