كتاب فضل الرحيم الودود تخريج سنن أبي داود (اسم الجزء: 1)

يسكت عنه بحسب شهرته ونكارته، والله أعلم" [وانظر: تاريخ الإسلام (٢٠/ ٣٦٠)].
ولابن حجر في تفسير عبارة أبي داود كلام نفيس أسوقه بتمامه لفائدته، فإنه يغني عن كلام كثير غيره، قال في النكت (١/ ٤٣٥ - ٤٤٥): "وفي قول أبي داود: "وما كان فيه وهن شديد بينته": ما يُفهِم أن الذي يكون فيه وهنٌ غير شديد أنه لا يبينه، ومن هنا يتبين أن جميع ما سكت عليه أبو داود لا يكون من قبيل الحسن الاصطلاحي بل هو على أقسام:
١ - منه ما هو في الصحيحين أو على شرط الصحة.
٢ - ومنه ما هو من قبيل الحسن لذاته.
٣ - ومنه ما هو من قبيل الحسن إذا اعتضد، وهذان القسمان كثير في كلتابه جدًّا.
٤ - ومنه ما هو ضعيف؛ لكنه من رواية من لم يُجمَع على تركه غالبًا.
وكل هذه الأقسام عنده تصلح للاحتجاج بها، كما نقل ابن منده عنه: أنه يخرج الحديث الضعيف إذا لم يجد في الباب غيره، وأنه أقوى عنده من رأي الرجال.
وكذلك قال ابن عبد البر: "كل ما سكت عليه أبو داود فهو صحيح عنده، لا سيما إن كان لم يذكر في الباب غيره".
ونحو هذا ما روينا عن الإمام أحمد بن حنبل فيما نقله ابن المنذر عنه: أنه كان يحتج بعمرو بن شعيب عن أبيه عن جده إذا لم يكن في الباب غيره، وأصرح من هذا ما رويناه عنه فيما حكاه أبو العز ابن كادش، أنه قال لابنه: "لو أردت أن أقتصر على ما صح عندي لم أرو من هذا المسند إلا الشيء بعد الشيء، ولكنك يا بني تعرف طريقتي في الحديث أني لا أخالف ما يضعف إلا إذا كان في الباب شيء يدفعه"، ومن هذا ما روينا من طريق عبد الله ابن الإمام أحمد بن حنبل بالإسناد الصحيح إليه، قال: سمعت أبي يقول: "لا تكاد ترى أحدًا ينظر في الرأي إلا وفي قلبه دغل، والحديث الضعيف أحب إليَّ من الرأي"، قال: فسألته عن الرجل يكون ببلد لا يجد فيها إلا صاحب حديث، لا يدري صحيحه من سقيمه، وصاحب رأي، فمن يسأل؟ قال: "يسأل صاحب الحديث، ولا يسأل صاحب الرأي".
فهذا نحو مما حكي عن أبي داود، ولا عجب فإنه كان من تلامذة الإمام

الصفحة 14