كتاب فضل الرحيم الودود تخريج سنن أبي داود (اسم الجزء: 1)

أحمد، فغير مستنكر أن يقول قوله، بل حكى النجم الطوفي عن العلامة تقي الدين ابن تيمية أنه قال: "اعتبرت مسند أحمد فوجدته موافقًا لشرط أبي داود".
وقد أشار شيخنا في النوع الثالث والعشرين إلى شيء من هذا، ومن هنا يظهر ضعف طريقة من يحتج بكل ما سكت عليه أبو داود، فإنه يخرج أحاديث جماعة من الضعفاء في الاحتجاج ويسكت عنها، مثل: ابن لهيعة، وصالح مولى التوأمة، وعبد الله بن محمد بن عقيل، وموسى بن وردان، وسلمة بن الفضل، ودلهم بن صالح، وغيرهم.
فلا ينبغي للناقد أن يقلده في السكوت على أحاديثهم، وينابعه في الاحتجاج بهم؛ بل طريقه أن ينظر هل لذلك الحديث متابع فيعتضد به، أو هو غريب فيتوفف فيه، ولا سيما إن كان مخالفًا لرواية من هو أوثق منه؛ فإنه ينحط الى قبيل المنكر.
وقد يخرِّج لمن هو أضعف من هؤلاء بكثير: كالحارث بن وجيه، وصدقة الدقيقي، وعثمان بن واقد العمري، ومحمد بن عبد الرحمن البيلماني، وأبي جناب الكلبي، وسليمان بن أرقم، وإسحاق بن عبد الله بن أبي فروة، وأمثالهم من المتروكين.
وكذلك ما فيه من الأسانيد المنقطعة، وأحاديث المدلسين بالعنعنة، والأسانيد التي فيها من أبهمت أسماؤهم، فلا يتجه الحكم لأحاديث هؤلاء بالحسن من أجل سكوت أبي داود؛ لأن سكوته تارة يكون اكتفاء بما تقدم له من الكلام في ذلك الراوي في نفس كتابه، وتارة يكون لذهول منه، وتارة يكون لشدة وضوح ضعف ذلك الراوي واتفاق الأئمة على طرح روايته، كأبي الحويرث، ويحيى بن العلاء، وغيرهما.
وتارة يكون من اختلاف الرواة عنه وهو الأكثر؛ فإن في رواية أبي الحسن بن العبد عنه من الكلام على جماعة من الرواة والأسانيد ما ليس في رواية اللؤلؤي وإن كانت روايته أشهر، ومن أمثلة ذلك: ما رواه من طريق: الحارث بن وجيه، عن مالك بن دينار، عن محمد بن سيرين، عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه: حديث "إن تحت كل شعرة جنابة ... " الحديث، فإنه تكلَّم عليه في بعض الروايات، فقال: "هذا حديث ضعيف، والحارث: حديثه منكر"، وفي بعضها اقتصر على بعض هذا الكلام، وفي بعضها لم يتكلم فيه.

الصفحة 15