كتاب فضل الرحيم الودود تخريج سنن أبي داود (اسم الجزء: 2)

وسبق نقل كلام أبي داود والبيهقي في السنن في استغرابه.
وقال البيهقي في المعرفة: "وإنما اعتمد الشافعي - رحمهُ الله - في التكرار على جملة حديث حمران عن عثمان، والروإيات الثابتات عند صاحبي الصحيح عن حمران: تدل على أن التكرار وقع فيما عدا الرأس من الأعضاء، وأنه مسح برأسه مرة واحدة، وقد روي من أوجه غريبة ذو التكرار في مسح الرأس في حديث عثمان وعلي".
لكن البيهقي خالف نفسه بعد ذلك، فاحتج به في الخلافيات (١/ ٣٠٩)، وقال: "وهو إسناد حسن؛ قد احتجا بجميع رواته غير عامر بن شقيق فقد سمعت الحاكم أبا عبد الله يقول: لا أعلم في عامر طعنًا بوجه من الوجوه"، قلت: هو في ذلك يحاكي قول شيخه في المستدرك.
وقال الترمذي: "هذا حديث حسن صحيح. وقال محمد بن إسماعيل: أصح شيء في هذا الباب: حديث عامر بن شقيق عن أبي وائل عن عثمان"، يعني: في تخليل اللحية، كذا قال في الجامع.
وقال في العلل: "قال محمد: أصح شيء عندي في التخليل: حديث عثمان، قلت: إنهم يتكلمون في هذا الحديث؟ فقال: هو حسن".
ولعل الترمذي مال إلى تصحيحه - مع كونه حديثًا منكرًا غريبًا - لأجل كلام البخاري هذا، وإن كان يحمل في طياته معنى الإنكار له، والله أعلم.
وقد صححه أيضًا: ابن خزيمة وابن حبان والحاكم وابن الجارود والضياء.
وقال ابن المنذر في الأوسط (١/ ٣٨٥): "والأخبار التي رُويت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنَّه خلل لحيته قد تكلم في أسانيدها، وأحسنها حديث عثمان".
وقال الحاكم: "وقد اتفق الشيخان على إخراج طرق لحديث عثمان في دبر وضوئه، ولم يذكرا في رواياتهما تخليل اللحية ثلاثًا، وهذا إسناد صحيح، قد احتجا بجميع رواته غير عامر بن شقيق، ولا أعلم في عامر بن شقيق طعنًا بوجه من الوجوه".
وتعقبه الذهبي في التلخيص بقوله: "ضعفه ابن معين".
قلت: قال أبو داود لأحمد: "تخليل اللحية؟ قال: يخللها، قد رُوي فيه أحاديث، ليس يثبت فيه حديث -يعني: عن النبي - صلى الله عليه وسلم -" [مسائل أبي داود لأحمد (٤٠)].
وقول أبي داود في مسائله (١٩٦٥) بعد ذلك: "سمعت أحمد غير مرة يقول: أحسن شيء فيه -يعني: في اللحية- حديث شقيق عن عثمان -يعني: عن النبي - صلى الله عليه وسلم -":
مما يؤيد ما ذهبنا إليه من أن قول البخاري: "أصح شيء فيه حديث عثمان"، ثم قوله: "هو حسن": لا يعني: تصحيحه للحديث، فهذا الإمام أحمد قبله يقول هذا القول، ثم هو يضعف كل ما جاء في تخليل اللحية حتَّى حديث عثمان هذا بقوله: "ليس يثبت فيه حديث".
وقال أبو حاتم: "لا يثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في تخليل اللحية حديث" [العلل (١/ ٤٥)].

الصفحة 23