كتاب فضل الرحيم الودود تخريج سنن أبي داود (اسم الجزء: 2)

ووهم فيه ابن المؤمل مرتين: أولاهما بذكر قصة بسرة بنت صفوان، والثانية في قوله: "تتوضأ يا بسرة".
قال الدارقطني: "تفرد به عبد الله بن المؤمل".
وقد صحح حديث عمرو بن ضعيب هذا جماعة منهم: البخاري وابن الجارود والحازمي والبيهقي.
قال البخاري: "وحديث عبد الله بن عمرو في مس الذكر: هو عندي صحيح".
[علل الترمذي (٥٥)].
وقال الحازمي: "هذا إسناد صحيح"، وأطال الكلام عليه فليراجع.
وأما ما نقله ابن قدامة في المغني (١/ ١١٨) عن الإمام أحمد قال: "قال المروذي: قيل لأبي عبد الله: فالجارية إذا مست فرجها أعليها وضوء؟ قال: لم أسمع في هذا بشيء" قلت لأبي عبد الله: حديث عن عبد الله بن عمرو عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "أيما امرأة مست فرجها فلتتوضأ"؟ فتبسم، وقال: هذا حديث الزبيدي، وليس إسناده بذاك".
فهذا من الإمام أحمد رحمه الله تعالى تأكيد على أن من رواه على غير هذا الوجه فقد وهم فيه، سواء في ذلك رواية الزهري وابن جريج والمثنى بن الصباح وابن لهيعة وابن المؤمل، والصحيح فيه إنما هو حديث الزبيدي وبه يعرف.
والزبيدي: محمد بن الوليد بن عامر الزبيدي أبو الهذيل الحمصي: ثقة ثبت حجة، لا يضره تفرده بهذا الإسناد، وراويه عنه هو بلديه: بقية بن الوليد، وهو ثقة إذا حدث عن المعروفين، ثبت إذا حدث عن أهل الشام، ومناكيره عن المشاهير إنما أتي فيها من قِبل التدليس، وهو هنا قد صرح بالتحديث فانتفت شبهة تدليسه، وحديثه هذا رواه عنه جماعة من أصحابه الشاميين وغيرهم كابن راهويه؛ فأمنا بذلك تسوية تلاميذه عليه، فإسحاق بن راهويه إمام كبير الشأن قد رواه عن بقية في مسنده [كما قال الحازمي في الاعتبار] مصرحًا بالتحديث منه ومن شيخه.
ويمكن أن يقال: أن ابن راهويه قد احتج بحديثه هذا وقال به، ففي مسائل إسحاق بن منصور الكوسج للإمامين أحمد وإسحاق (٥٢) قال: "قلت: إذا مس إبطه وأنفه؟ قال [يعني: الإمام أحمد]: لا بأس به، وإن كان في الصلاة ليس يعيد إلا من مس الذكر.
قال إسحاق [يعني: ابن راهويه]: كما قال؛ لأن مس الذكر قد صح عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، فهو تقليد، النساء والرجال في ذلك سواء".
وعلى هذا فالإسناد إلى عمرو بن شعيب إسناد شامي صحيح، ومن رواه عن عمرو بن شعيب على غير هذا الوجه فقد وهم، وأما قول الإمام أحمد: "ليس إسناده بذاك": فهذا محمول عندي على رأيه في هذه السلسلة: "عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدها فإنه ربما احتج بها، وربما وجس في قلبه منها شيء، ولعل هذا مما وجس في قلبه منه شيء، لذا قال: "وليس إسناده بذاك"، والله أعلم.

الصفحة 355