كتاب فضل الرحيم الودود تخريج سنن أبي داود (اسم الجزء: 2)

ثم روى ابن حبان بهذا الإسناد الحسن (١١٢٣): ما يدل على رجوع طلق إلى بلده بعد ذلك، ثم قال: "في هذا الخبر بيان واضح أن طلق بن علي رجع إلى بلده بعد القدمة التي ذكرنا وقتها، ثم لا يُعلم له رجوع إلى المدينة بعد ذلك، فمن ادعى رجوعه بعد ذلك فعليه أن يأتي بسنة مصرحة، ولا سبيل له إلى ذلك".
وانظر: سنن الدارقطني (١/ ١٤٩)، المعجم الكبير (٨/ ٨٢٣٩ - ٨٢٤٢)، الاعتبار (١/ ٢٣١/ ٢٥).
فإن قيل: إن مسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد أعيد بناؤه في آخر حياة النبي - صلى الله عليه وسلم -، وبعد إسلام أبي هريرة، فيحتمل حيئنذ أن يكون قدوم طلق في المرة الثاني، فينتقض عليكم استدلالكم.
فيقال: ثبت العرش، ثم انقش، إذ لا يصح الحديث الدال على ذلك:
فقد روى أحمد في مسنده (٢/ ٣٨١)، قال: حدثنا سعيد بن منصور، قال: ثنا يعقوب بن عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله بن عبدٍ الزهري - وكان من القارة، وهو حليف -، عن عمرو بن أبي عمرو، عن ابن عبد الله بن حنطب، عن أبي هريرة: أنهم كانوا يحملون اللبِن لبناء المسجد، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - معهم، قال: فاستقبلت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو عارض لبنة على بطنه، فظننت أنها قد شقت عليه، قلت: ناولنيها يا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "خذ غيرها يا أبا هريرة؛ فإنه لا عيش إلا عيش الآخرة".
قال ابن رجب في الفتح (٢/ ٤٩٢): "ولكن ابن حنطب، وهو: المطلب، ولا يصح سماعه من أبي هريرة".
وله إسناد آخر عن أبي هريرة في قصة أخرى، ولكنه معلول أيضًا [انظر: الفتح لابن رجب (٢/ ٤٩٢)].
نعود مرة أخرى إلى ذكر أقوال العلماء الذين قالوا بالنسخ:
وقال ابن حزم في المحلى (١/ ٢٣٩): "وهذا خبر صحيح [يعني: حديث طلق]، إلا أنهم لا حجة لهم فيه لوجوه:
أحدها: أن هذا الخبر موافق لما كان الناس عليه قبل ورود الأمر بالوضوء من مس الفرج، هذا لا شك فيه فإذ هو كذلك فحكمه منسوخ يقينًا حين أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالوضوء من مس الفرج.
ولا يحل ترك ما تيقن أنه ناسخ والأخذ بما تيقن أنه منسوخ.
وثانيهما: أن كلامه - صلى الله عليه وسلم -: "هل هو إلا بضعة منك": دليل بيِّن على أنه كان قبل الأمر بالوضوء منه؛ لأنه لو كان بعده لم يقل - عليه السلام - هذا الكلام؛ بل كان يبين أن الأمر بذلك قد نسخ، وقوله هذا يدل على أنه لم يكن سلف فيه حكمٌ أصلًا وأنه كسائر الأعضاء".
وممن ذهب إلى القول بالنسخ أيضًا: الطبراني، والبيهقي [الخلافيات (٢/ ٢٨٩)]، والحازمي، وحكاه الخطابي في معالم السنن (١/ ٥٧)، وآخرون.
ويبين معنى ما قاله ابن حزم: قول ابن القيم في تهذيب السنن (١/ ١٣٣ - ١٣٥):

الصفحة 363