كتاب فضل الرحيم الودود تخريج سنن أبي داود (اسم الجزء: 2)

ثقات -، وانفرد عنه بهذا اللفظ: شعيب بن أبي حمزة وحده، وهو وإن كان ثقة حافظًا إلا أن رواية الجماعة: أولى بالصواب، لا سيما وفيهم من هو أثبت منه وأحفظ، مثل: ابن جريج وابن عيينة المكيين، وعبد العزيز بن أبي سلمة الماجشون المدني - بلدي ابن المنكدر ومولى قبيله -، وعبد الوارث بن سعيد البصري، وشعيب: حمصي غريب.
الثاني: أن شعيب بن أبي حمزة متكلم في روايته عن ابن المنكدر، ذلك أن شعيبًا كان قد عرض على ابن المنكدر كتابًا فأمر بقراءته عليه، فعرف بعضًا وأنكر بعضًا، وقال لابنه أو ابن أخيه: اكتب هذه الأحاديث، فروى شعيب ذلك الكتاب، وقد عُرض على أبي حاتم الرازي بعض تلك الأحاديث؛ فرآها مشابهة لحديث إسحاق بن أبي فروة أوهو: متروك، [انظر: العلل لابن أبي حاتم (٣/ ٢٠٣ - ٢٠٤/ ٢٠١١)، شرح علل الترمذي (٢/ ٨٦٢)، الذكر والدعاء والعلاج بالرقى، بتخريجي (١/ ١٥٧ و ١٦٠)].
الثالث: أن القول بأن هذا الحديث مختصر من الحديث الآخر؛ ليس قولًا بالظن، ولا هو بتأويل بعيد، فإن رواية ابن المنكدر لهذا الحديث باللفظ المحفوظ ليس فيه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - توضأ لصلاة الظهر من حدث، وإنما جاء هذا مصرحًا به في بعض طرق حديث ابن عقيل لا ابن المنكدر؛ وكلامنا على حديث ابن المنكدر لا ابن عقيل؛ وحديث ابن المنكدر بروايته المحفوظة ممكن اختصاره بأن آخر الفعلين من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في هذه الواقعة المعينة كان هو ترك الوضوء مما مست النار، فإنه توضأ للظهر وترك الوضوء للعصر، وعليه فإن قول الأئمة بأنه حديث مختصر لم يكن قولًا بالظن، وإنما دلت عليه القرائن، كما ترى.
الرابع: أن مخرج الحديثين واحد؛ إذ مداره على ابن المنكدر، ومعناهما واحد، رواه على الصواب الجماعة، واختصره واحد فأوهم معنى جديدًا.
وقد روي في معنى حديث جابر هذا المختصر: حديث محمد بن مسلمة، وحديث أبي هريرة:
١ - أما حديث محمد بن مسلمة:
فيرويه قريش بن حيان، عن يونس بن أبي خلدة، عن محمد بن مسلمة، قال: كل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بما غيرت النار، ثم صلى ولم يتوضأ؛ وكان آخر أمريه.
أخرجه ابن المنذر (١/ ١٢٨/٢٢٤)، وابن قانع في المعجم (٣/ ١٥)، والطبراني في الكبير (١٩/ ٢٣٤/ ٥٢١)، والعسكري في تصحيفات المحدثين (٤٦٨/ ٢)، وابن شاهين في الناسخ (٦٥)، والبيهقي (١/ ١٥٦)، والحازمي في الاعتبار (٣٣).
وهذا إسناد ضعيف؛ يونس بن أبي خلدة، أو: ابن أبي خالد: قال الهيثمي في المجمع (١/ ٢٥٢): "ولم أر من ذكره".
قلت: ذكره البخاري في التاريخ الكبير (٨/ ٤٠٩) فقال: "يونس بن أبي خالد: روى عنه قريش بن حيان، عن محمد بن أبي سلمة [كذا؛ والصواب: محمد بن مسلمة] وغيره".

الصفحة 399