كتاب فضل الرحيم الودود تخريج سنن أبي داود (اسم الجزء: 2)

وعليه فلا يجوز الاحتجاج بهذا الحديث على أن نوم الجالس لا ينقض كما هو ظاهر؛ لأنه ورد في المضطجع".
والرد على هذا من وجوه:
الأول: لا يلزم من قول الإمام أحمد: "وكلهم ثقات": أنه يرى صحتها جميعًا، فالثقة يخطئ؛ وحديثه حينئذ شاذ كما هو معلوم.
وها هو الإمام البخاري قد أعرض عن إخراج حديث قتادة هذا في صحيحه لأجل الاختلاف عليه في لفظه، وإنما أخرج حديث أنس هذا من رواية ثابت وعبد العزيز بن صهيب [البخاري (٦٤٢ و ٦٤٣ و ٦٢٩٢)]، وليس فيها ذكر الوضوء.
وأما الإمام مسلم فقد أخرج حديث قتادة من رواية شعبة فقط دون رواية هشام وسعيد.
والحق فيما أرى -والله أعلم -: أن حديث شعبة وهشام كلاهما صحيح؛ لا تعارض بينهما، بل إحدى الروايتين تفسر الأخرى.
وأما لفظ رواية سعيد فإنه مختلف عن لفظهما؛ وبيان ذلك:
وهو الوجه الثاني: أن شعبة قال: "ينامون"، وتفسيره في رواية هشام: "حتى تخفق رؤوسهم"، وفي رواية ابن المنذر: "ينعسون حتى تخفق رووسهم".
وهذا لا يكون من المضطجع كما هو مشاهد معلوم، وإنما يقع النعاس والخفق من القاعد المنتظر، وأما المضطجع فإنه يستغرق في النوم.
وهذا ما تقتضيه رواية ابن أبي عروبة؛ أعني: أن بعضهم كان لأجل اضطجاعه يستغرق في النوم، لذا قال في روايته: "فمنهم من يتوضأ، ومنهم من لا يتوضأ".
وهذا وجه التعارض بين رواية سعيد من جهة، ورواية شعبة وهشام من جهة أخرى؛ فإنهما لم يذكرا في حديثهما أن من الصحابة من كان يتوضأ لأجل نومه وإنما نفيا ذلك مطلقًا؛ فقد قالا في روايتهما: "ولا يتوضؤون".
فرواية شعبة ورواية هشام المفسرة لها لا تحتملان سوى نوم القاعد الذي يخفق برأسه من النعاس، وهو مبادئ النوم، والذي لا يزول معه الشعور بالكلية بحيث لو انتقض وضوؤه أحس وانتبه.
وهذا بخلاف المضطجع الذي قد يستغرق في النوم؛ فيزول معه الشعور بالكلية فيلزمه حينئذ الوضوء، وهذا هو الذي جاء في رواية سعيد من أن بعضهم كان يتوضأ بسبب النوم.
ولهذا - في نظري والله أعلم - يجب الترجيح بين روايتي شعبة وهشام، وبين رواية سعيد:
فمن المعلوم بأن الثلاثة هم أثبت أصحاب قتادة؛ فإذا روى سعيد حديثًا عن قتادة؛ وخالفه فيه شعبة وهشام، فالقول قولهما، كما قال ابن رجب في شرح علل الترمذي (٢/ ٦٩٦) شارحًا قول البرديجي: "شعبة وهشام الدستوائي وسعيد بن أبي عروبة: عن قتادة عن

الصفحة 422