كتاب فضل الرحيم الودود تخريج سنن أبي داود (اسم الجزء: 2)

أنس: صحيح، فإذا ورد عليك حديث لسعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن أنس مرفوعًا، وخالفه هشام وشعبة، حُكم لشعبة وهشام على سعيد"، وقال في موضع آخر: "وإذا اختلفوا في حديث واحد فإن القول فيه: قول رجلين من الثلاثة".
قلت: ولهذا صحح مسلم رواية شعبة واقتصر عليها، ورواية هشام لا تعارضها بل هي مفسرة لها.
الوجه الثالث: أنه يلزم من كلامه: "دون أن يجددوا الوضوء" نفي ما جاء في رواية سعيد: "فمنهم من يتوضأ".
الوجه الرابع: قوله: "لأنه ورد في المضطجع"، فيه حمل لرواية شعبة وهشام على رواية سعيد، وأنها هي المفسرة لهما، وقد سبق بيان التعارض، من أن الخفق بالرؤوس لا يقع من المضطجع، وإنما من القاعد، وقول سعيد: "فمنهم من يتوضأ، معارض لرواية شعبة وهشام: "ولا يتوضؤون"، والله أعلم.
وثمت روايتان أخريان لم ينبه عليهما أبو داود، وهما روايتا معمر وأبي هلال:
١ - أما رواية معمر:
فيرويها: ابن المبارك وعبد الرزاق، كلاهما: عن معمر، عن قتادة، عن أنس، قال: لقد رأيت أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوقَظون للصلاة، حتى إني لأسمع لأحدهم غطيطًا، ثم يصلون ولا يتوضؤون.
قال ابن المبارك: "هذا عندنا وهم جلوس".
أخرجه عبد الرزاق (١/ ١٣٠/ ٤٨٣)، والدارقطني (١/ ١٣٠ - ١٣١)، والبيهقي (١/ ١٢٠).
قال الدارقطني: "صحيح".
قلت: رواية معمر عن العراقيين، أهل الكوفة والبصرة، متكلم فيها [انظر: شرح العلل (٢/ ٧٧٤)]، فليس هو في قتادة مثل ما هو في الزهري وابن طاووس، وسبق أن قلنا بأن أصحاب قتادة الحفاظ ثلاثة: شعبة وهشام وسعيد، بل إن معمرًا لا يبلغ مرتبة الشيوخ في قتادة، أمثال: أبان وهمام وحماد بن سلمة وغيرهم، فكما قلنا آنفًا: المحفوظ في هذا الحديث: ما رواه شعبة وهشام الدستوائي عن قتادة، وإذا كنا قد رجحناها على رواية سعيد بن أبي عروبة، فترجيحها على رواية معمر بن راشد من باب أولى.
هذا وجه، ووجه آخر، وهو إذا افترضا صحة هذه الرواية فإنها أيضًا يمكن حملها على ما قال الإمام ابن المبارك: "وهذا عندنا وهم جلوس"، لذا قال البيهقي: "وعلى هذا حمله عبد الرحمن بن مهدي والشافعي"، ولكن القول الأول أولى، والله أعلم.
٢ - وأما رواية أبي هلال عن قتادة عن أنس:
فقد أخرجها بألفاظ متقاربة: أحمد بن منيع في مسنده (١/ ١٠١/ ١٥٤/ ٣ - المطالب العالية)، وأبو العباس السراج في مسنده (٣٢)، وأبو القاسم البغوي في مسند ابن

الصفحة 423