كتاب فضل الرحيم الودود تخريج سنن أبي داود (اسم الجزء: 2)

• الرابع: أن الذين صححوا الرواية الشاذة: قد صرحوا أو ألمحوا إلى شذوذها؛ فهذا الحاكم يقول في معرفة علوم الحديث (٩٨): "هذه سنة غريبة، تفرد بها أهل مصر، ولم يشركهم فيها أحد"، وهذا البيهقي في السنن بعد ما صحح إسنادها، ثم أخرجها من الوجه المحفوظ، يقول: "وهذا أصح من الذي قبله".
• فإن قيل: ألا يؤيد ذلك أيضًا أن عمرو بن الحارث قد توبع على هذا الوجه المحفوظ عنه:
تابعه عبد الله بن لهيعة، فقال: حدثنا حبان بن واسع، عن أبيه، عن عبد الله بن زيد بن عاصم -عمه- المازني، قال: رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتوضأ بالجحفة، فمضمض ثم استنشق، ثم غسل وجهه ثلاثًا، وغسل يده اليمنى ثلاثًا، [والأخرى ثلاثًا]، ثم مسح رأسه بماءٍ غيرِ فضل يديه، ثم غسل رجليه حتى أنقاهما.
أخرجه أحمد (٤/ ٣٩ و ٤٠ و ٤١)، والدارمي (١/ ١٩٣/ ٧٥٩ - ط زمرلي) (١/ ٥٥٣/ ٧٣٦ - ط حسين سليم أسد)، وابن قانع (٢/ ١١٠).
وترجم له الدارمي بقوله: "كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أخذ لرأسه ماءً جديدًا".
وهي متابعة جيدة، فابن لهيعة وإن كان ضعيفًا إلا أنه يصلح في المتابعات.
فيقال: هذا الحديث رواه هكذا عن ابن لهيعة: موسى بن داود [الضبي: صدوق]، والحسن بن موسى [الأشيب: ثقة]، ويحيى بن حسان [التنيسي: ثقة].
فقالوا فيه: بماءٍ غيرِ فضل يديه، مثل رواية عمرو بن الحارث.
• وخالفهم: عبد الله بن المبارك:
قال الإمام أحمد في مسنده (٧/ ٣٥٩١/ ١٦٧٣٢ - ط المكنز) (٢٦/ ٣٩٠/ ١٦٤٦٩ - ط الرسالة) (٤/ ٤٢ - الميمنية، وقد تصحف فيها موضع الشاهد): حدثنا علي بن إسحاق، قال: أخبرنا عبد الله، وعَتَّابٌ، قال: ثنا عبد الله -يعني: ابن المبارك-، قال: أخبرنا ابن لهيعة، قال: ثنا حَبان بن واسع، عن أبيه، عن عبد الله بن زيد بن عاصم المازني، قال: رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتوضأ بالجُحْفة، فذكر معنى حديث حسن؛ إلا أنه قال: ومسح رأسه بماءٍ غَبَرَ من فضل يده.
فهذا الإمام أحمد يبين أن رواية ابن المبارك عن ابن لهيعة تخالف رواية الحسن بن موسى عنه، وموضع الاختلاف بينهما هو في هذه الجملة التي ذكرها، حيث إن الأولى تدل على أنه أخذ لرأسه ماءً جديدًا، بينما الأخرى تدل على أنه مسح رأسه بما بقي في يديه من غسل ذراعيه، ولم ياخذ لها ماءً جديدًا.
ورواية ابن المبارك هذه عن ابن لهيعة: هي الأقرب للصواب من حديث ابن لهيعة، وإن كانت روايته الموافقة لرواية عمرو بن الحارث قد رواها عنه ثلاثة من الثقات، وذلك لأن ابن المبارك سماعه من ابن لهيعة قديم، وكان يتتبع أصوله، ويكتب منها، وهو في ذلك مثل: عبد الله بن وهب وعبد الله بن يزيد المقرئ، سماعهم من ابن لهيعة صحيح

الصفحة 54