كتاب فضل الرحيم الودود تخريج سنن أبي داود (اسم الجزء: 3)

• وبمناسبة اشتمال هذا الحديث على تقدير أقل مدة الحيض وأكثره:
فنقول: أجمع الأئمة على أنَّه لا يثبت فيه حديث.
قال ابن المنذر في الأوسط (٢/ ٢٢٩): "ذكر الميموني أنَّه قال: قلت لأحمد بن حنبل: أيصح عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شيء في أقل الحيض وأكثره؟ قال: لا.
قلت: أفيصح عن أحد من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ قال: لا.
قلت: فحديث أَنس؟ قال: ليس بشيء، أو قال: ليس يصح.
قلت: فأعلى شيء في هذا الباب؟ فذكر حديث معقل عن عطاء: "الحيض يوم وليلة"".
وقال البيهقي في السنن (١/ ٣٢٣): "وقد روي في أقل الحيض وأكثره أحاديث ضعاف، قد بينت ضعفها في الخلافيات".
وانظر الخلافيات (٣/ ٣٤٩ - ٣٩٧).
وقال ابن رجب في الفتح (١/ ٥١٧): "والمرفوع كلُّه: باطل لا يصح، وكذلك الموقوف: طرقه واهية، وقد طعن فيها غير واحد من أئمة الحفاظ"، وقال: "ولم يصح عند أكثر الأئمة في هذا الباب توقيت مرفوع، ولا موقوف".
وقال ابن تيمية في المجموع (٢١/ ٦٢٣): "فهم يقولون [يعني: الأئمة]: لم يثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولا عن أصحابه: في هذا شيء، والمرجع في ذلك إلى العادة، كما قلنا"، وقال أيضًا (١٩/ ٢٣٩): "وهي أحاديث مكذوبة عليه باتفاق أهل العلم بحديثه".
وقال ابن القيم في المنار المنيف ص (٩٧): "وكذلك تقدير أقل الحيض بثلاثة أيام، وأكثره بعشرة: ليس فيها شيء صحيح، بل كلُّه باطل".
• ومن أحسن ما قيل في هذه المسألة ما قاله شيخ الإسلام ابن تيمية في المجموع (١٩/ ٢٣٧): من ذلك اسم الحيض، علَّق الله به أحكامًا متعددة في الكتاب والسُّنَّة، ولم يقدر لا أقله ولا أكثره، ولا الطهر بين الحيضتين، مع عموم بلوى الأمة بذلك، واحتياجهم إليه، واللغة لا تفرق بين قدر وقدر، فمن قدر في ذلك حدًّا فقد خالف الكتاب والسُّنَّة، والعلماء منهم من يحد أكثره وأقله، ثم يختلفون في التحديد، ومنهم من يحد أكثره دون أقله، والقول الثالث أصح: أنَّه لا حد له لأقله ولا لأكثره، بل ما رأته المرأة عادة مستمرة فهو حيض، وإن قدر أنَّه أقل من يوم استمر بها على ذلك، فهو حيض، وإن قدر أن أكثره سبعة عشر استمر بها على ذلك فهو حيض، وأما إذا استمر الدم بها دائمًا فهذا قد علم أنَّه ليس بحيض؛ لأنَّه قد علم من الشرع واللغة، أن المرأة تارة تكون طاهرًا، وتارة تكون حائضًا، ولطهرها أحكام، ولحيضها أحكام، والعادة الغالبة أنها تحيض ربع الزمان ستة أو سبعة، وإلى ذلك رد النبي - صلى الله عليه وسلم - المستحاضة التي ليس لها عادة ولا تمييز، والطهر بين الحيضتين لا حد لأكثره باتفاقهم؛ إذ من النسوة من لا تحيض بحال ... ، وكذلك أقله على الصحيح لا حد له؛ بل قد تحيض المرأة في الشهر ثلاث حيض ... ".
***

الصفحة 340