كتاب فضل الرحيم الودود تخريج سنن أبي داود (اسم الجزء: 3)

إبراهيم بن محمد بن طلحة في قصة حمنة: فليس يجوز الاحتجاج به من وجوه:
كان مالك بن أَنس لا يروي عن ابن عقيل.
قال الدافع لهذين الخبرين: وفي متن الحديث كلام مستنكر؛ زعمت أن النبي - صلى الله عليه وسلم - جعل الاختيار إليها، فقال لها: "تحيضي في علم الله ستًّا أو سبعًا"، قالوا: وليس يخلو اليوم السابع من أن تكون حائضًا أو طاهرًا، فإن كانت حائضًا فيه واختارت أن تكون طاهرًا؛ فقد ألزمت نفسها الصلاة في يوم هي فيه حائض، وصلت وصامت وهي حائض، وإن كانت طاهرًا واختارت أن تكون حائضًا فقد أسقطت عن نفسها فرض الله عليها في الصلاة والصوم، وحرمت نفسها على زوجها في ذلك اليوم، وهي في حكم الطاهر، وهذا غير جائز، وغير جائز أن تخير مرة بين أن تلزم نفسها الفرض في حال، وتسقط الفرض عن نفسها إن شاءت في تلك الحال".
وقد رد الطحاوي على صاحب هذا القول فقال: "إن الَّذي ظنه مما أمرت به هذه المرأة مما ذكر في هذا الحديث ليس كما ظن، ولم يأمرها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بما توهم أنَّه أمرها به مما رد الخيار فيه إليها: أن تتحيض ستًّا أو سبعًا، ولكنه أمرها أن تتحيض في علم الله - عَزَّ وَجَلَّ - ما أكبر ظنها أنها فيه حائض بالتحري منها لذلك، كما أمر من دخل عليه شك في صلاته فلم يدر أثلاثًا صلى منها أم أربعًا أن يتحرى أغلب ذلك في قلبه، فيعمل عليه، فمثل ذلك أمره هذه المرأة في حيضها بما أمرها به فيه، ولا يكون ذلك منه - صلى الله عليه وسلم - إلا وقد أعلمته أنَّه قد ذهب عنها علم أيامها التي تحيضهن أي أيام هي من كل شهر، فأمرها بتحريها، كما أمر المصلي في صلاته عند شكه كم صلى منها بالعمل على ما يؤديه إليه تحريه فيه، [أ] وكان ما في هذا الحديث من الستة أو السبعة: إنما هو شك دخل على بعض رواته، فقال ذلك على الشك، فأما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلم يأمرها إلا بستة أيام أو بسبعة أيام لا باختيار منها في ذلك لأحد العددين، ولكن لأنَّ أيامها كانت - والله أعلم - أحد العددين، وذهب عنها موضعها من كل شهر، وأعلمته - صلى الله عليه وسلم - ذلك، فأمرها بما أمرها به فيه، [شرح مشكل الآثار (١/ ٣٤٣ - ترتيبه)].
وقال الخطابي في المعالم (١/ ٧٦): "ويشبه أن يكون ذلك منه - صلى الله عليه وسلم - على غير وجه التخيير بين الستة والسبعة؛ لكن على معنى اعتبار حالها بحال من هي مثلها، وفي مثل سنها من نساء أهل إقليمها، فإن كانت عادة مثلها منهن أن تقعد ستًّا قعدت ستًّا، وإن سبعًا فسبعًا.
وفيه وجه آخر؛ وذلك أنَّه قد يحتمل أن تكون هذه المرأة قد ثبت لها فيما تقدم أيام ستة أو سبعة، إلا أنها قد نسيتها فلا تدري أيتها كانت، فأمرها أن تتحرى وتجتهد وتبني أمرها على ما تتيقنه من أحد العددين، ومن ذهب إلى هذا استدل بقوله: "في علم الله أي: فيما علم الله من أمرك من ستة أو سبعة".
وانظر أيضًا في معنى هذا: الأم (٢/ ١٣٧)، المجموع (٢/ ٤٠٦ و ٤٢٥).

الصفحة 347