كتاب فضل الرحيم الودود تخريج سنن أبي داود (اسم الجزء: 3)
شديدًا، وخالف في حديثه هذا الأحاديث الصحيحة المروية في صفة وضوء النبي - صلى الله عليه وسلم -، سواء ما اتفق عليه الشيخان من حديث عثمان وابن زيد، أو ما صح - مما ليس فيهما - عن علي وابن عمرو وغيرهم.
فإن قيل: فصَّل النووي القول في هذا الحديث بقوله رادًا على من ضعفه بابن عقيل: "هذا الَّذي قاله هذا القائل لا يقبل؛ فإن أئمة الحديث صححوه - كما سبق -، وهذا الراوي وإن كان مختلفًا في توثيقه وجرحه فقد صحح الحفاظ حديثه هذا، وهم أهل هذا الفن، وقد علم من قاعدتهم في حد الحديث الصحيح والحسن، أنَّه إذا كان في الراوي بعض الضعف أجيز حديثه بشواهد له أو متابعة، وهذا من ذلك" [المجموع (٢/ ٤٠٥)].
قلت: لو توبع ابن عقيل على حديث حمنة هذا، أو كان له شاهد، لا سيما في رد المستحاضة إلى عادة النساء لا إلى عادة نفسها التي كانت تعرفها من نفسها قبل أن تستحاض، لو وُجد ذلك لصح حديث ابن عقيل، هذه واحدة.
والثانية: أنَّه كما رُوي عن جماعة من الأئمة أنهم صححوا حديث ابن عقيل هذا، فقد عورض هذا التصحيح وقوبل بتضعيف أئمة آخرين لحديثه.
فكما رُوي تصحيحه عن أحمد، والبخاري، والترمذي، وغيرهم، فقد ضعفه أيضًا: أحمد في رواية أكثر أصحابه عنه، وأبو حاتم الرازي، وابن خزيمة، وابن المنذر، والدارقطني، وابن منده، وغيرهم.
• ثم إن تصحيح هؤلاء الأئمة يقال فيه:
أولًا: ما نقله الترمذي عن أحمد أنَّه قال: "هو حديث صحيح"، فإنه معارض بقول أبي داود -وهو أعلم وألصق بأحمد من الترمذي-، قال: "سمعت أحمد قال: يُروى في الحيض حديث ثالث؛ حديث عبد الله بن محمد بن عقيل: في نفسي منه شيء"، وقال ابن هانئ -وهو من أثبت أصحاب الإمام-: "قيل له: حديث حمنة عندك قوي؟ قال: ليس هو عندي بذلك، حديث فاطمة أقوى عندي وأصح إسنادًا منه"، بل قال ابن رجب: "والمعروف عن الإمام أحمد أنَّه ضعفه ولم يأخذ به"، فالذين رووا عنه التضعيف أكثر وأشهر وأكثر صحبة من الذين رووا عنه التصحيح.
ثانيًا: قول البخاري: "هو حديث حسن"، لا أراه أراد به الحسن الاصطلاحي، وذلك لأنَّه أعقبه بما يدل على إعلاله للحديث من جهة الاتصال؛ فاستدرك وقال: "إلا أن إبراهيم بن محمد بن طلحة هو قديم، لا أدري سمع منه عبد الله بن محمد بن عقيل أم لا؟ ".
قال الشوكاني في نيل الأوطار (١/ ٤١٢): "ويجاب على البخاري بأن إبراهيم بن محمد بن طلحة مات سنة عشر ومائة - فيما قاله أبو عبيد القاسم بن سلام وعلي بن المديني وخليفة بن خياط -، وهو تابعي سمع عبد الله بن عمرو بن العاص، وأبا هريرة، وعائشة، وابن عقيل سمع عبد الله بن عمر، وجابر بن عبد الله، وأنس بن مالك، والربيع
الصفحة 349
400