كتاب فضل الرحيم الودود تخريج سنن أبي داود (اسم الجزء: 3)

بنت معوذ، فكيف ينكر سماعه من إبراهيم بن محمد بن طلحة لقدمه؟ وأين ابن طلحة من هؤلاء في القدم، وهم نظراء شيوخه في الصحبة، وقريب منهم في الطبقة، فينظر في صحة هذا عن البخاري"، هكذا نقله الشوكاني من البدر المنير لابن الملقن (٣/ ٦٣)، ونقله ابن الملقن من النفح الشذي لشيخه أبي الفتح اليعمري (٣/ ١٣٧)، وبنحوه قال ابن التركماني في الجوهر النقي (١/ ٣٣٩).
قلت: هو صحيح عن البخاري، ولا يلزم من تعاصرهما سماع أحدهما من الآخر، وإلا فمراد البخاري - والله أعلم - أنَّه لا يعلم لابن عقيل سماعًا من إبراهيم بن محمد بن طلحة، لا سيما وإبراهيم: قليل الحديث [كما قال ابن سعد في الطبقات (٩٣ - القسم المتمم). وانظر: تاريخ دمشق (٧/ ١٤٩)]، ولا أظن أن لابن عقيل عن إبراهيم حديثًا غير هذا.
• وعلى هذا فالحديث معلول عند البخاري، ولا يقال حينئذ بأن البخاري قد صححه أو حسنه على اصطلاح المتأخرين!
وأما تصحيح الترمذي، فقد اختلف النقل عنه فيه، فمنهم من نقل عنه التحسين فقط دون التصحيح، ومنهم من نقل عنه التحسين والتصحيح معًا، فإن كان الثابت عنه التحسين فقط [كما نقله عنه جماعة، منهم أبو علي الطوسي في مستخرجه]، فإنه في ذلك على أصله في الحديث الحسن، والذي سبق أن قررناه مرارًا، من كونه معدود في قسم الضعيف المحتمل، وإلا فقد يقال إنه اعتمد في ذلك على ما نقله عن البخاري وأحمد، والله أعلم.
وأما الذين ضعفوه من الأئمة فلم يختلف عليهم، وقولهم أقرب إلى الصواب لحال ابن عقيل؛ فإنه لا يحتج به إذا انفرد بأصل وسُنة لم يتابع عليها، وهذا منها.
فهذا الحديث من أحاديث الأحكام التي انفرد بها ابن عقيل في رد المستحاضة إلى عادة النساء لا إلى عادة نفسها، كما صح من حديث أم سلمة، ومن حديث عائشة في قصة أم حبيبة، فقد رد النبي - صلى الله عليه وسلم - المستحاضة إلى عادة نفسها، فقال في حديث أم سلمة: "لتنظر عدة الليالي والأيام التي كانت تحيضهن من الشهر قبل أن يصيبها الَّذي أصابها، فلتترك الصلاة قدر ذلك من الشهر ... "، وقال في حديث عراك بن مالك، عن عروة، عن عائشة؛ في قصة أم حبيبة: "امكثي قدر ما كانت تحبسك حيضتك، ثم اغتسلي وصلي".
ومعلوم أن أكثر الأئمة على التشديد في أحاديث الأحكام [سير أعلام النبلاء (٨/ ٥٢٠)]: قال سفيان الثوري: "خذوا هذه الرغائب، وهذه الفضائل من المشيخة، فأما الحلال والحرام فلا تأخذوه إلا عمن يعرف الزيادة فيه من النقص"، وفي رواية: "لا تأخذوا هذا العلم من الحلال والحرام إلا من الرؤساء المشهورين بالعلم الذين يعرفون الزيادة والنقصان، فلا بأس بما سوى ذلك من المشايخ".
رواه بسنده إلى سفيان: الرامهرمزي في المحدث الفاصل (٤٠٦ و ٤١٨)، والخطيب في الكفاية (١٦٢)، وفي الجامع لأخلاق الراوي (٢/ ٩١ / ١٢٦٦).

الصفحة 350