كتاب فضل الرحيم الودود تخريج سنن أبي داود (اسم الجزء: 3)
إلى هذا ذهب الشافعي أيضًا فقال في الأم (٢/ ١٣٧): "فقد علمنا أن حمنة كانت عند طلحة، وولدت له، وأنها حكت حين استفتت: ذكرت أنها تثج الدم ثجًا، وكان العلم يحيط أن طلحة لا يقربها في هذه الحال، ولا تطيب هي نفسها بالدنو منه، وكان مسألتها بعدما كانت زينب [يعني: أم المؤمنين] عنده [يعني: النبي - صلى الله عليه وسلم -]، دليلًا محتملًا على أنَّه أول ما ابتليت بالاستحاضة، وذلك بعد بلوغها بزمان، فدل على أن حيضها كان يكون ستًّا أو سبعًا ... ".
وقال ابن عبد البر في الاستيعاب (٣٢٦٠): "كانت عند مصعب بن عمير وقتل عنها يوم أحد، فتزوجها طلحة بن عبيد الله ... ".
قلت: فإن قيل: لا تعارض بينه وبين حديث أم سلمة وعائشة في المعتادة؛ بل هو في معناهما، من جهة أن حمنة كانت عادتها ستًّا أو سبعًا، وكانت أخبرت النبي - صلى الله عليه وسلم - بذلك فأفتاها بما يوافق عادتها؟
فيقال: لم يوقف على رواية تدل على أنها أخبرت النبي - صلى الله عليه وسلم - بعادتها، وإنما حصل التراجع في الكلام بينها وبين النبي - صلى الله عليه وسلم - في وصف العلاج الَّذي يوقف الدم من القطن والثوب، ولم يقع الاستفصال منها عن عادتها، فدل ذلك على أن حكم النبي - صلى الله عليه وسلم - إنما هو عام في المستحاضة، إذ إن: "ترك الاستفصال في مقام الأحوال يقوم مقام العموم في المقال".
هذا من جهة، ومن جهة أخرى: فقد جاءت قرينة في النص تدل على أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يحلها إلى عادتها، وإنما أحالها على الغالب من عادة النساء، وهي قوله - صلى الله عليه وسلم -: "كما تحيض النساء، وكما يطهرن؛ لميقات حيضهن وطهرهن" أي: تحيض ستًّا أو سبعًا كما تحيض النساء في الغالب من أحوالهن، والله أعلم.
فظهرت بذلك معارضة حديث حمنة لحديث أم سلمة، وحديث عائشة.
فإن قيل: هذا الحديث لم يختلف فيه على ابن عقيل: لا في متنه، ولا في إسناده، مما يدل على أنَّه حفظه.
فيقال: "وإن حفظه ابن عقيل، فيكفينا تفرده فيه بأصل وسُنَّة لم يتابع عليه فيها، ثم مخالفة حديثه هذا للأحاديث الصحيحة في رد المعتادة إلى عادة نفسها، لا إلى عادة النساء.
• وأخيرًا فإن حديث ابن عقيل هذا: لا يثبت - فيما أرى والله أعلم - ففي النفس منه شيء [كما قال الإمام أحمد]، ولا يصح؛ لتفرد ابن عقيل به، ولأنه لا يعرف لابن عقيل سماع من شيخه إبراهيم بن محمد بن طلحة [كما أشار إليه كلام البخاري]، وإسناده ليس بذاك القوي [كما أشار إليه كلام أبي حاتم]، والله أعلم.
***
الصفحة 352
400