كتاب فضل الرحيم الودود تخريج سنن أبي داود (اسم الجزء: 3)

فإنه قدم العراق ليس معه كتب فحدث من حفظه، وكان لا يحفظ ولا يعرف صحيح حديثه من سقيمه؛ فوهم وغلط حتَّى كثرت المناكير في حديثه، فضعف لذلك، وبسبب هذا ضعفه الجمهور [التهذيب (١/ ٢٠٦)، إكمال مغلطاي (٢/ ٣٣٨)، منهج النسائي في الجرح والتعديل (٣/ ١٢١٢)].
وهذا الحديث من ضعيف حديثه؛ فإنه من رواية العراقيين عنه، ثم إن الراوي عنه: محمد بن الحسن الشيباني: ضعيف [اللسان (٥/ ١٣٨)]؛ فهي رواية ساقطة.
• وبناء على رواية الجماعة المحفوظة: فالمرسل لا تقوم به حجة؛ والمحفوظ من حديث الزهري: عن عروة، وعمرة، عن عائشة: أن أم حبيبة كانت تغتسل لكل صلاة، وأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يأمرها بذلك.
فإن قيل: بأنه لا تعارض بين الحديثين، وحديث الزهري الَّذي فيه قول عائشة: "فكانت تغتسل لكل صلاة"؛ إنما يدل على أنها ما كانت لتفعل ذلك إلا وقد أمرها النبي - صلى الله عليه وسلم - بذلك.
حينئذ نترك الجواب للإمام الجهبذ الإمام الشافعي رحمه الله تعالى حيث يقول في كتابه الأم (٢/ ١٣٨) بعد حديث الزهري: "فإن قال: فهذا حديث ثابت، فهل يخالف الأحاديث التي ذهبت إليها؟ قلت: لا، إنما أمرها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن تغتسل وتصلي، وليس فيه: أنَّه أمرها أن تغتسل لكل صلاة.
فإن قال: ذهبنا إلى أنها لا تغتسل لكل صلاة إلا وقد أمرها بذلك، ولا تفعل إلا ما أمرها.
قيل له: أفترى أمرها أن تستنقع في مركن، حتَّى يعلو الماء حمرة الدم، ثم تخرج منه فتصلي؟ أو تراها تطهر بهذا الغسل؟.
قال: ما تطهر بهذا الغسل الَّذي يغشى جسدها فيه حمرة الدم، ولا تطهر حتَّى تغسله، ولكن لعلها تغسله.
قلت: أفأبين لك أن استنقاعها غير ما أمرت به؟
قال: نعم.
قلت: فلا تنكر أن يكون غسلها، ولا أشك - إن شاء الله تعالى - أن غسلها كان تطوعًا غير ما أمرت به، وذلك واسع لها، ألا ترى أنَّه يسعها أن تغتسل ولو لم تؤمر بالغسل؟ قال: بلى".
وقال ابن رجب في الفتح (١/ ٥٣١): "وقد تعلق بعضهم للوجوب بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمرها أن تغتسل وتصلي، وهذا يعم كل صلاة، فإنه كالنهي أن تصلي حتَّى تغتسل، وقد فهمت المأمورة ذلك، فكانت تغتسل لكل صلاة، وهي أفهم لما أمرت به.
ويجاب عن ذلك؛ بأنه - صلى الله عليه وسلم - إنما أمرها أن تغتسل إذا ذهبت أيام حيضتها، فلا يدخل في ذلك غير الغسل عند فراغ حيضتها، وأما ما فعلته فقد تكون فعلته احتياطًا وتبرعًا

الصفحة 357