كتاب فضل الرحيم الودود تخريج سنن أبي داود (اسم الجزء: 3)
إسحاق، وشعبة لم يذكر النبي - صلى الله عليه وسلم -، وأنكر أن يكون الخبر مرفوعًا، وأخطأ أيضًا في تسمية المستحاضة"، كذا ذكره البيهقي.
وتعقبه ابن التركماني في الجوهر النقي فقال: "امتنع عبد الرحمن من إسناد الأمر إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - صريحًا، ولا شك أنَّه إذا سمع "فأمرت" ليس له أن يقول: "فأمرها النبي - صلى الله عليه وسلم -"؛ لأنَّ اللفظ الأول مسند إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - بطريق اجتهادي لا بالصريح، فليس له أن ينقله إلى ما هو صريح، ولا يلزم من امتناعه من صريح النسبة إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - أن لا يكون مرفوعًا بلفظ "أمرت" على ما عرف من ترجيح أهل الحديث والأصول في هذه الصيغة أنها مرفوعة، فتأمله؛ فقد يتوهم من لا خبرة له من كلام البيهقي وغيره أنَّه من الموقوف الَّذي لا تقوم به الحجة، وبهذا يعلم أن ابن إسحاق لم يخالف شعبة في رفعه؛ بل رفعه ابن إسحاق صريحًا، ورفعه شعبة دلالة، ورفعه هو أيضًا صريحًا في رواية الحسن بن سهل عن عاصم عنه، وقد تقدم أن البيهقي قال بعد ذكر رواية عاصم: وهكذا رواه جماعة عن شعبة".
قلت: قوله: "وهكذا رواه جماعة عن شعبة"، يعني: قالوا في روايتهم: "فأمرت"، ولم يقولوا: "فأمرها النبي - صلى الله عليه وسلم -".
ورواية ابن إسحاق وهم بلا شك، وهو مشهور بالتدليس ولم يصرح بالسماع، وقد وهم في:
١ - تسمية المستحاضة: سهلة بنت سهيل.
٢ - وفي قوله: فأتت النبي - صلى الله عليه وسلم - فأمرها.
٣ - وفي قوله: فأمرها أن تغتسل عند كل صلاة، فلما جهدها ذلك، أمرها.
فإذا تبين ذلك فلا ينبغي إذًا أن يعول على رواية ابن إسحاق هذه في الاستدلال بها على النسخ، كما ذهب إليه الطحاوي في شرح المعاني (١/ ١٠١)، وحكاه عن قوم لم يعينهم، واعتبر حديث ابن إسحاق هذا ناسخًا لأحاديث الأمر بالغسل عند كل صلاة، حيث نقلت المستحاضة إلى الجمع بين الصلاتين بغسل واحد، كما في هذا الحديث وغيره.
• والحق أنَّه لا يصح حديث في أمر المستحاضة بالغسل عند كل صلاة ولا في أمرها بالجمع بين الصلاتين بغسل.
قال ابن عبد البر في التمهيد (٦/ ٥٠): "وأما الأحاديث المرفوعة في إيجاب الغسل لكل صلاة، وفي الجمع بين الصلاتين بغسل واحد، والوضوء لكل صلاة على المستحاضة، فكلها مضطربة لا تجب بمثلها حجة".
وقد تقدم كان شذوذ هذه الروايات المشتملة على هذه الألفاظ من الأمر بالغسل لكل صلاة، والجمع بين الصلاتين بغسل واحد، والأمر بالوضوء لكل صلاة، وسيأتي فيما بقي من الروايات مزيد بيان.
***
الصفحة 362
400