كتاب فضل الرحيم الودود تخريج سنن أبي داود (اسم الجزء: 3)

قلت: هو كما قال: فإن انقطاعه ظاهر بالتأريخ فإن زينب توفيت سنة عشرين، وأبو القاسم: محمد بن أبي بكر الصديق ولد في حجة الوداع سنة عشر؛ يعني: أن عمره يوم توفيت زينب كان عشر سنين؛ مما يدل على أن القاسم إنما ولد بعد وفاة زينب بزمان.
ولكن الطحاوي فرَّق بين رواية شعبة ورواية الثوري فجعلهما حديثين، وإنما هما حديث واحد مداره على عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه، وقد جعلهما النسائي والبيهقي واحدًا.
ولولا رواية الثوري وابن عيينة: لصح حديث شعبة، ولكان حجة في الجمع بين الصلاتين بغسل واحد للمستحاضة، ولكان شاهدًا يتقوى به حديث ابن عقيل في قصة حمنة بنت جحش في الجمع بين الصلاتين بغسل واحد؛ لا سيما وحديث شعبة على شرط الشيخين.
لكن لكون الثوري أحفظ من شعبة، وقد اختلفا في إسناد هذا الحديث، ثم خالفهما بعدُ: سفيان بن عيينة الإمام الحافظ، وخالفهم جميعًا - أيضًا -: ابن إسحاق؛ لذلك - وثلاثتهم حفاظ أئمة -، ولكون الَّذي اختلفوا عليه: وهو عبد الرحمن بن القاسم: ثقة ثقة، قال ابن عيينة: "كان أفضل أهل زمانه".
لذلك لا نستطيع أن نقضي لأحدهم على الآخر، حتَّى يتابَع أحدُهم [أعني: الثوري، أو شعبة، أو ابن عيينة، متابعة قوية تشهد لكون هذا الوجه هو المحفوظ.
وحتى نعثر على هذه المتابعة فإنا نتوقف عن الحكم لأيٍّ منهم، ونحكم على الحديث بالاضطراب، والله أعلم.
فإن قيل: فإن ابن إسحاق قد تابع شعبة على الإسناد، وإن كان خالفه في المتن، وفي التصريح بالرفع، وفي نسبة المستحاضة.
فنقول: إن ابن إسحاق قد عنعنه ولم يصرح فيه بالسماع، وهو مشهور بالتدليس، فلعله أخذه من مجروح فنكون حينئذ قد أخذنا بمتابعة ضعيف أو متروك أو كذاب.
ومما يجعل في النفس منه شيء كونه لم يوافقه في المتن وأتى به على غير وجهه، فإنه لا يعلم بأن سهلة بنت سهيل استحيضت إلا من حديث ابن إسحاق هذا [انظر: الاستيعاب (٣٣٤١)، الإصابة (١١٣٥٢)، أسد الغابة (٧٠٢٧)]، ولا نعلم حديثًا يُقضى به في النسخ المذكور إلا حديث ابن إسحاق هذا.
ثم إن كان لا بد من أن يُقضى لأحد هؤلاء الأئمة الثلاثة؛ فالقول: قول سفيان الثوري، فهو أحفظهم جميعًا، وقد قدمه على شعبة جماعة؛ منهم: شعبة نفسه، ويحيى بن سعيد القطان، وأحمد بن حنبل، وأبو حاتم الرازي، وأبو زرعة الرازي، وأبو داود، وغيرهم.
قال أحمد: "سفيان أحفظ للإسناد وأسماء الرجال من شعبة".
وقال أبو زرعة: "كان الثوري أحفظ من شعبة في إسناد الحديث ومتنه".

الصفحة 364