كتاب فضل الرحيم الودود تخريج سنن أبي داود (اسم الجزء: 4)

والثاني: تقدم العادة على التمييز، وهو المشهور عن أحمد، وعليه أكثر أصحابه، وهو قول إسحاق والإصطخري، وابن خيران من الشافعية، وهو قول الأوزاعي، حتى إنه قدم رجوعها إلى عادة نسائها على تمييز الدم.
وذهب مالك إلى أن لا اعتبار بالعادة، وأن العمل على التمييز وحده، فإن لم يكن لها تمييز فإنها لا تترك الصلاة أصلًا، بل تصلي أبدًا، ويلزمها الغسل لكل صلاة في الوقت لاحتمال انقطاع الحيضة فيه.
ومذهب أبي حنيفة، وسفيان: أن الاعتبار بالعادة وحدها دون التمييز، فإذا لم يكن لها عادة فإنها تجلس أقل الحيض ثم تغتسل وتصلي.
وأما من لا عادة لها ولا تمييز، فإن كانت ناسية: فذهب أبو حنيفة إلى أنها تقعد العادة، تجلس أقل الحيض ثم تغتسل وتصلي. ومذهب مالك: أنها تقعد التمييز أبدًا، وتغتسل لكل صلاة، كما تقدم. وللشافعي فيها ثلاثة أقوال:. . ."، فذكرها، وذكر لأحمد ثلاث روايات، ثم قال: "وأما المبتدأة إذا استحيضت: فإذا كانت مميزة فإنها ترد إلى تمييزها عند الشافعي وأحمد وإسحاق، وإن لم يكن لها تمييز: فعن أحمد فيها أربع روايات:. . ." فذكرها، "وللشافعي قولان. . .، وقال أبو حنيفة: تجلس أكثر الحيض. . .، وعن مالك روايات".
وانظر نحو هذا في مجموع الفتاوى لشيخ الإسلام (٢١/ ٦٢٧).
وقال الإمام أحمد في مسائل ابنه صالح (١٢٥): "للمستحاضة سنن: فإذا جاءت فزعمت أنها مستحاضة، سئلت عن شأنها، فإذا زعمت أنه كان لها أيام معلومة تجلسها في وقت معلوم، قيل لها: إذا جاء ذلك الوقت من الشهر فاجلسي عدد تلك الأيام التي كنت تجلسين فيما خلا، فإذا جاوزت تلك الأيام، فاغتسلي غسلًا واحدًا، ثم توضئي لكل صلاة، وصلي، وإن شاءت اغتسلت لكل صلاة، فذلك أكثر ما جاء فيه، وإن شاءت جمعت الظهر والعصر بغسل، وبين المغرب والعشاء بغسل، واغتسلت للصبح غسلًا، فهذا وسط ما جاء فيه، وإن توضأت فهو أقل ما جاء فيه، وهو يجزئها إن شاء الله.
والحجة في أن الوضوء يجزئها: قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إنما ذلك عرق، وليست بالحيضة"، فلا يكون الغسل من غير الحيضة، وهذه سُنَّة التي كانت تعرف وقت جلوسها، وعدد أيام جلوسها، وهذا في حديث نافع عن سليمان بن يسار، عن أم سلمة.
وسُنَّة أخرى للمستحاضة: إذا جاءت فزعمت أنها كانت تستحاض فلا تطهر. قيل لها: أنت الآن ليس لك أيام معلومة فتجلسينها، ولكن انظري إلى إقبال الدم وإدباره، فإذا أقبلت الحيضة، وإقبالها: أن ترى دمًا أسود يعرف، فإذا تغير دمها فكان إلى الصفرة والرقة، فذلك دم الاستحاضة، فاغتسلي وصلي، ثم توضئي لكل صلاة، وإن لم ينقطع الدم إلى خمس عشرة، فلا ينظر بعد خمس عشرة إلى الدم، ولتكن بعد خمس عشرة مستحاضة؛ لأن أكثر الحيض خمس عشرة، فهذه سُنَّة التي لم تكن تعرف أيامها، وهذا في

الصفحة 16