كتاب فضل الرحيم الودود تخريج سنن أبي داود (اسم الجزء: 4)

التعسير حتى جاؤوا بمسألة المتحيرة فتحيروا، والأحاديث الصحيحة قد قضت بعدم وجودها لأن حديث الباب ظاهر في معرفتها إقبال الحيضة وإدبارها، وكذلك الحديث الآتي في الباب الذي بعد هذا فإنه صريح في أن دم الحيض يعرف ويتميز عن دم الاستحاضة، فطاحت مسألة المتحيرة، ولله الحمد، ولم يبق ها هنا ما يستصعب إلا ورود بعض الأحاديث الصحيحة بالإحالة على صفة الدم، وبعضها بالإحالة عل العادة، وقد عرفت إمكان الجمع بينها".
وقال شيخ الإسلام في المبتدأة (١٩/ ٢٣٨): "والأصل في كل ما يخرج من الرحم أنه حيض، حتى يقوم دليل على أنه استحاضة؛ لأن ذلك هو الدم الأصلي الجبلي، وهو دم ترخيه الرحم، ودم الفساد دم عرق ينفجر، وذلك كالمرض، والأصل الصحة لا المرض، فمتى رأت المرأة الدم جارٍ من رحمها فهو حيض تترك لأجله الصلاة، ومن قال: إنها تغتسل عقيب يوم وليلة، فهو قول مخالف للمعلوم من السُّنَّة وإجماع السلف، فإنا نعلم أن النساء كن يحضن على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم -، وكل امرأة تكون في أول أمرها مبتدأة، قد ابتدأها الحيض، ومع هذا فلم يأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - واحدة منهن بالاغتسال عقب يوم وليلة، ولو كان ذلك منقولًا لكان ذلك حدًّا لأقل الحيض، والنبي - صلى الله عليه وسلم - لم يحد أقل الحيض باتفاق أهل الحديث، والمروي في ذلك: "ثلاث"، وهي أحاديث مكذوبة عليه باتفاق أهل العلم بحديثه، وهذا قول جماهير العلماء، وهو أحد القولين في مذهب أحمد.
وكذلك المرأة المنتقلة؛ إذا تغيرت عادتها بزيادة أو نقص أو انتقال فذلك حيض، حتى يعلم أنه استحاضة باستمرار الدم، فإنها كالمبتدأة.
والمستحاضة ترد إلى عادتها، ثم إلى تمييزها، ثم إلى غالب عادات النساء، كما جاء في كل واحدة من هؤلاء سُنَّة عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، وقد أخذ الإمام أحمد بالسنن الثلاث ...
والحامل إذا رأت الدم على الوجه المعروف لها فهو دم حيض بناء على الأصل".
• قلت: وما قاله شيخ الإسلام هنا هو الصواب، وقد دل على ذلك الدليل، وبه نأخذ.
فالمستحاضة ترد إلى عادتها: لحديث أم سلمة، وحديث عائشة في قصة أم حبيبة.
ثم ترد إلى تمييزها: لحديث فاطمة بنت أبي حبيش؛ الذي يرويه هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة.
ثم ترد إلى غالب عادة النساء، أو عادة قريباتها: أمها وأخواتها ونحوهن، لحديث ابن عقيل في قصة حمنة بنت جحش، والحديث وإن كان ضعيفًا لا يصلح للاحتجاج، إلا أن العمل بالضعيف هنا أولى من العمل بالقياس، والنظر، والشاهد منه قوله - صلى الله عليه وسلم -: "كما تحيض النساء، وكما يطهرن، لميقات حيضهن وطهرن"، والله أعلم.
وأما المبتدأة والمنتقلة والحامل: فالأصل فيما نراه أنه حيض حتى تعلم أنه دم استحاضة باستمراره.

الصفحة 18