كتاب فضل الرحيم الودود تخريج سنن أبي داود (اسم الجزء: 4)

وغيره، أخذت من فرصت الشيء؛ أي: قطعته، ويقال للحديدة التي تقطع بها الفضة: مفراص، ومعناه: فرصة هي مطيبة بمسك.
ويروى: "خذي فرصة ممسكة"؛ يعني: تأخذ قطعة من قطن أو صوف مطيبة بمسك، فتتبع بها أثر الدم، لقطع رائحة الأذى، فإن لم تجد مسكًا فطيبًا آخر.
وقال القتيبي: ممسكة؛ أي: محتملة، يقول: تحملينها معك تعالجين بها قبلك، تقول العرب: مسكت كذا، بمعنى: أمسكت، وتمسكت، وأنكر أن يكون المراد منه المسك؛ لأنهم لم يكونوا أهل وسع يجدون المسك، فعلى هذا المعنى قالوا: تكون الرواية: "فرصه من مَسك" بفتح الميم؛ أي: من جلد عليه صوف".
والقول الأول: هو الصحيح [غريب الحديث لأبي عبيد (١/ ٤٥)].
وقال ابن رجب في الفتح (١/ ٤٦٩): "هذا هو الصحيح الذي عليه الجمهور".
ثم قال بعد أن ذكر قول ابن قتيبة والخطابي [أعلام الحديث (١/ ٣٢١)]: "والصحيح الذي عليه جمهور الأئمة العلماء بالحديث والفقه: أن غسل المحيض يستحب فيه استعمال: المسك، بخلاف غسل الجنابة، والنفاس كالحيض في ذلك، وقد نص على ذلك الشافعي وأحمد، وهما أعلم بالسُّنَّة واللغة، وبألفاظ الحديث ورواياته؛ من مثل: ابن قتيبة والخطابي، ومن حذا حذوهما ممن يفسر اللفظ بمحتملات اللغة البعيدة".
ثم نقل عن الإمام أحمد -من رواية حنبل- قوله: "يستحب للمرأة إذا هي خرجت من حيضها أن تمسك مع القطنة شيئًا من المسك ليقطع عنها رائحة الدم وزفرته، تتبع به مجاري الدم".
ثم قال: "وقال جعفر بن محمد: سألت أحمد عن غسل الحائض، فذهب إلى حديث إبراهيم بن المهاجر، عن صفية بنت شيبة، وقال: "تدلك شؤون رأسها".
ثم نقل عن الميموني قوله: "قرأت على ابن حنبل: أيجزئ الحائض الغسل بالماء؟ فأملى علي: إذا لم تجد إلا وحده اغتسلت به، قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "ماءك وسدرتك"، وهو أكثر من غسل الجنابة، قلت: فإن كانت قد اغتسلت بالماء ثم وجدت؟ قال: أحب إليَّ أن تعود؛ لما قال" [الفتح (١/ ٤٧١ - ٤٧٢)].
• وبناء على ما تقدم: فإن غسل الحيض والنفاس يفارق غسل الجنابة من وجوه:
الأول: أن غسل الحيض يستحب أن يكون بماء وسدر، بخلاف غسل الجنابة.
الثاني: أن غسل الحيض يستحب أن يستعمل فيه شيء من الطيب، يتتبع به أثر الدم.
الثالث: أن غسل الحيض يستحب فيه أن تدلك شؤون رأسها دلكًا شديدًا، بخلاف غسل الجنابة.
ولا فرق بينهما في تقديم الوضوء على الغسل، لحديث أبي الأحوص، ولا في عدم وجوب نقض الشعر إذا كان مضفورًا.
راجع في هذا ما تقدم تحت الحديث رقم (٢٥٥)، وانظر: فتح الباري لابن رجب (١/ ٤٧١).
***

الصفحة 50