كتاب فضل الرحيم الودود تخريج سنن أبي داود (اسم الجزء: 4)

وفي إقامة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لالتماس العقد والناس معه وليسوا على ماء وليس معهم ماء، فيه دليل على أنه ليس للمرء أن ينصرف عن سفر لا يجد فيه ماء، ولا يترك سلوك طريق لذلك بل ذلك مما أباح الله له.
وفي الحديث: فنزلت آية التيمم، ولم يقل آية الوضوء ما يبين أن الذي طرأ عليهم من العلم من ذلك الوقت حكم التيمم لا حكم الوضوء؛ إذ من المعلوم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - منذ افترضت عليه الصلاة بمكة لم يصل إلا بوضوء [التمهيد (٧/ ١٦٧ و ١٧٦)].
وآية التيمم قال الحافظ في الفتح (١/ ٤٣٤): "المراد بها آية المائدة بغير تردد، لرواية عمرو بن الحارث، إذ صرح فيها بقوله: فنزلت: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ} [المائدة: ٦].
وقد قيل بأن آية التيمم في سورة النساء نزلت قبل غزوة أحد؛ يعني: قبل آية التيمم من سورة المائدة بكثير، فإن آية النساء لم تحرم الخمر مطلقًا بل عند حضور الصلاة، وهذا كان قبل أُحد، فإن تحريم الخمر نزل بعد غزوة أحد، وقصة عائشة هذه كانت بعد غزوة أحد بغير خلاف، وليس في قصتها ما يناسب النهي عن قربان الصلاة حال السكر حتى تصدر به الآية، وأما تصدير هذه الآية بالوضوء فلم يكن لأصل مشروعيته، وإنما كان تمهيدًا للانتقال عنه إلى التيمم عند العجز عنه.
فإن قيل: فلماذا إذن توقف الصحابة عن التيمم وصلوا بغير وضوء ولا تيمم مع سبق نزول التيمم في سورة النساء؟
قال ابن رجب في الفتح (٢/ ١١): "فالظاهر -والله أعلم- أنهم توقفوا في جواز التيمم في مثل هذه الواقعة؛ لأن فقدهم للماء إنما كان بسبب إقامتهم لطلب عقد أو قلادة، لإرسالهم في طلبها من لا ماء معه مع إمكان سيرهم جميعًا إلى مكان فيه ماء، فاعتقدوا أن في ذلك تقصيرًا في طلب الماء، فلا يباح معه التيمم، فنزلت آية المائدة مبينة جواز التيمم في مثل هذه الحال، وأن هذه الصورة داخلة في عموم آية النساء، ولا يستبعد هذا، فقد كان طائفة من الصحابة يعتقدون أنه لا يجوز استباحة رخص السفر في الفطر والقصر إلا من سفر طاعة دون الأسفار المباحة، ومنهم من خص ذلك بالسفر الواجب كالحج والجهاد، فلذلك توقفوا في جواز التيمم للاحتباس عن الماء لطلب شيء من الدنيا".
قلت: وفيما قاله نظر، ولا يسلم له فإن ظاهر حديث عائشة، وحديث عمار الآتي أن آية التيمم في سورة المائدة هي أول ما نزل من التيمم ولم يكن عندهم فيه سُنَّة قبل ذلك، لا سيما حديث عمار، والله أعلم.
***
٣١٨ - قال أبو داود: حدثنا أحمد بن صالح: حدثنا عبد الله بن وهب: أخبرني يونس، عن ابن شهاب، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة حدثه: عن عمار بن ياسر أنه كان يحدث: أنهم تمسحوا وهم مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالصعيد لصلاة الفجر،

الصفحة 54