كتاب فضل الرحيم الودود تخريج سنن أبي داود (اسم الجزء: 4)

بعدما علمت قبول الأئمة له، وتفسيرهم له، وأما إنكار الإمام أحمد له فيحمل على ما حمله عليه الأئمة من أنه ليس عليه العمل، وهذا ما يدل عليه قوله: "ليس بشيء"، والله أعلم.
وقال ابن حبان في الصحيح (٤/ ١٣٤): "كان هذا حيث نزل آية التيمم، قبل تعليم النبي - صلى الله عليه وسلم - عمارًا كيفية التيمم، ثم علمه ضربة واحدة للوجه والكفين؛ لما سأل عمار النبي - صلى الله عليه وسلم - عن التيمم".
وقال ابن المنذر في الأوسط (٢/ ٥١ و ٥٢): "وأما الأخبار التي رويت عن عمار التي فيها ذكر اختلاف أفعالهم حين نزلت آية التيمم قبل أن يأتوا النبي - صلى الله عليه وسلم - فيعلمهم صفة التيمم مما فعلوه عند نزول الآية احتياطًا قبل أن يأتوا النبي - صلى الله عليه وسلم - فيعلمهم صفة التيمم، فلما جاؤوه علمهم فقال لعمار: "إنما كان يكفيك هذا"، وفي قوله: "إنما كان يكفيك هذا" دليل على أن الفعل الذي كان منهم، كان قبل أن يعلمهم، والدليل على صحة هذا القول أن عمارًا علمهم بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - في ولايته أيام عمر على الكوفة: التيمم ضربة للوجه والكفين".
وإلى هذا ذهب أيضًا: الطحاوي في شرح المعاني (١/ ١١١)، والحازمي في الاعتبار (١/ ٢٦٥).
وهذا مما يدل على تصحيحهم للحديث، فلو كان عندهم ضعيفًا لا يثبت لما احتاجوا إلى هذا التأويل، والله أعلم.
***
٣٢١ - الأعمش، عن شقيق قال: كنت جالسًا بين عبد الله وأبي موسى، فقال أبو موسى: يا أبا عبد الرحمن أرأيت لو أن رجلًا أجنب فلم يجد الماء شهرًا، أما كان يتيمم؟ فقال: لا، وإن لم يجد الماء شهرًا. فقال أبو موسى: فكيف تصنعون بهذه الآية التي في سورة المائدة: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (٦)} [المائدة: ٦]؟ فقال عبد الله: لو رخص لهم في هذا لأوشكوا إذا برد عليهم الماء أن يتيمموا بالصعيد. فقال له أبو موسى: وإنما كرهتم هذا لهذا؟ قال: نعم.
فقال له أبو موسى: ألم تسمع قول عمار لعمر: بعثني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في

الصفحة 63