كتاب فضل الرحيم الودود تخريج سنن أبي داود (اسم الجزء: 5)

ومفهوم هذا الحديث مخصص لعموم حديث: "ما أدركتم فصلوا، وما فاتكم فأتموا"، والخاص يقضى به على العام.
فإن قيل: ورد عن الصحابة وغيرهم ما يقضي بخلاف ذلك، فهذا أبو هريرة راوي هذا الحديث، قد صح عنه أنه قال: "إذا انتهى الرجل إلى القوم وهم قعود في آخر صلاتهم فقد دخل في التضعيف" [تقدم تخريجه قريبًا].
فيقال: يرده بقية كلامه ويبين معناه، فقد قال بعد ذلك: "وإذا انتهى إليهم وقد سلم الإمام ولم يتفرقوا فقد دخل في التضعيف" فظهر بهذا المراد، وهو أنه يكون له ثواب الجماعة بمشيه وسعيه إليها، وإن لم يدركها، فقد أدرك ثوابها لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى"، ولقوله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا مرض العبد أو سافر كتب له مثل ما كان يعمل مقيمًا صحيحًا" [البخاري (٢٩٩٦)، فهذا يقتضي أن من ترك الجماعة لمرض أو سفر، وكان يعتادها، كتب له أجر الجماعة [انظر: مجموع الفتاوى لشيخ الإسلام (٢٣/ ٢٤٢)]، وفضل الله واسع.
واحتجوا أيضًا بما رواه ابن أبي شيبة (١/ ١٦٦/ ٤٣٦٢)، وابن عبد البر في التمهيد (٧/ ٦٩).
بإسناد صحيح إلى أبي سلمة، قال: من خرج من بيته قبل أن يسلم الإمام فقد أدرك.
فهذا أبو سلمة راوي هذا الحديث يفتي بما يرى من الفضل، وهو فقيه جليل.
فيقال: هذا إنما هو في إدراك ثواب الجماعة، والكلام إنما هو في إدراك حكمها.
قال ابن رجب في الفتح (٣/ ٢٥٢): "ومعنى هذا كله: أنه يكتب له ثواب الجماعة؛ لما نواها وسعى إليها، وإن كانت قد فاتته، كمن نوى قيام الليل ثم نام عنه، ومن كان له عمل فعجز عنه بمرض أو سفر، فإنه يكتب له أجره.
ويشهد لهذا: ما خرجه أبو داود والنسائي من حديث أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من توضأ فأحسن الوضوء، ثم راح فوجد الناس قد صلوا، أعطاه الله مثل أجر من صلاها وحضرها، لا ينقص ذلك من أجرهم ثمينًا" ... إلخ كلامه رحمه الله تعالى، وحديث أبي هريرة هذا سيأتي تخريجه إن شاء الله تعالى في موضعه من السنن برقم (٥٦٤).
وأما ما روي عن أبي وائل، وفي بعض المصادر: عن أبي وائل، عن عبد الله، قال: من أدرك التشهد فقد أدرك الصلاة.
أخرجه عبد الرزاق (٢/ ٣٣٨٨/٢٨٥)، وابن أبي شيبة (١/ ٣٦٢ و ٤٦٣/ ٤١٦٥ و ٥٣٥٩)، وابن المنذر (٤/ ٢٠٩٩/٢٤٤)، وعلقه ابن عبد البر في التمهيد (٧/ ٦٩).
فلا يصح هذا عن شقيق بن سلمة أبي وائل، فإن راويه عنه هو: عامر بن شقيق بن جمرة الأسدي الكوفي: لين الحديث، قال فيه أبو حاتم: "ليس بقوي، وليس من أبي وائل بسبيل" [التهذيب (٢/ ٢٦٥)، التقريب (٢٩٨)].

الصفحة 122