كتاب فضل الرحيم الودود تخريج سنن أبي داود (اسم الجزء: 5)

وأما ما رواه عبد الرزاق، عن معمر، عن قتادة: أن ابن مسعود أدرك قومًا جلوسًا في آخر صلاتهم، فقال: قد أدركتم إن شاء الله.
أخرجه عبد الرزاق (٢/ ٢٨٥/ ٣٣٨٧)، ومن طريقه: الطبراني في الكبير (٩/ ٢٧٢/ ٩٣٥٨).
فهذا أيضًا لا يصح؛ قتادة لم يلق من الصحابة إلا أنس بن مالك، وعبد الله بن سرجس [انظر: تحفة التحصيل (٢٦٢)].
ومعمر بن راشد: سيئ الحفظ لحديث قتادة [انظر: شرح العلل (٢/ ٦٩٨)].
ثم وجدت عبد الرزاق قد أخرجه في مصنفه (٣/ ٢٣٥ و ٢٣٦/ ٥٤٧٩ و ٥٤٨٠)، ومن طريقه: الطبراني في الكبير (٩/ ٣٠٩/ ٩٥٤٩).
بسياق آخر يبين معناه ويظهر علته، قال عبد الرزاق: أخبرنا معمر، عن أبي إسحاق، عن هبيرة بن يريم، عن ابن مسعود، قال: من فاتته الركعة الآخرة فليصل أربعًا.
ثم روى عبد الرزاق، عن معمر، عن حماد، قال: إذا أدركهم جلوسًا في آخر الصلاة يوم الجمعة صلى ركعتين.
قال معمر: قال قتادة: يصلي أربعًا، فقيل لقتادة: إن ابن مسعود جاء وهم جلوس في آخر الصلاة فقال لأصحابه: اجلسوا أدركتم إن شاء الله؟ قال قتادة: إنما يقول: أدركتم الأجر.
والثابت عن ابن مسعود في هذا بخلافه؛ فقد روى الطبراني في الكبير (٩/ ٢٧٠/ ٩٣٤٩ و ٩٣٥٠) بأسانيد صحيحة إلى سلمة بن كهيل، عن أبي الأحوص، عن ابن مسعود، قال: من أدرك الركعة فقد أدرك الصلاة.
وهذا موقوف على ابن مسعود بإسناد صحيح.
وعلى هذا فإن أقوى ما احتجوا به هو حديث: "ما أدركتم فصلوا، وما فاتكم فأتموا"، فيقال: هذا الحديث قد دل بعمومه على أن المأموم يتابع الإمام ويصلي معه ما أدركه من صلاته، في أي موضع كان: ساجدًا، أو جالسًا، طالما أدركه قبل السلام.
إلا أن هذا العموم مخصوص بمفهوم الحديث: "من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة" الدال على أن المأموم لا يعتد بما أدركه مع الإمام بعد رفع رأسه من آخر ركعة.
وسيأتي مزيد بسط وبيان لهذه المسألة في كلام شيخ الإسلام الذي سأختم به إن شاء الله تعالى.
ب - دل هذا الحديث على أن من أدرك ركعة من الجمعة أضاف إليها أخرى؛ إذ الجمعة من الصلاة؛ كما قال الزهري، ومن لم يدرك منها ركعة صلى أربعًا ظهرًا.
وهو قول ابن مسعود، وابن عمر، وأنس، ولا مخالف لهم من الصحابة.
وبه قال: مالك، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، وأبو ثور، والأوزاعي، والثوري، والليث بن سعد، ومحمد بن الحسن، وزفر بن الهذيل.

الصفحة 123