كتاب فضل الرحيم الودود تخريج سنن أبي داود (اسم الجزء: 5)

والصحيح: هو القول الأول؛ لوجوه:
أحدما: أن قدر التكبيرة لم يعلق به الشارع شيئًا من الأحكام، لا في الوقت، ولا في الجمعة، ولا الجماعة، ولا غيرها، فهو وصف ملغى في نظر الشارع، فلا يجوز اعتباره.
الثاني: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - إنما علق الأحكام بإدراك الركعة، فتعليقها بالتكبيرة إلغاء لما اعتبره، واعتبار لما ألغاه، وكل ذلك فاسد فيما اعتبر فيه الركعة، وعلق الإدراك بها في الوقت، ففي الصحيحين عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا أدرك أحدكم ركعة من صلاة العصر قبل أن تغرب الشمس" فليتم صلاته، وإذا أدرك ركعة من صلاة الصبح قبل أن تطلع الشمس فليتم صلاته"، وأما ما في بعض طرقه: "إذا أدرك أحدكم السجدة" فالمراد بها الركعة التامة، كما في اللفظ الآخر، ولأن الركعة التامة تسمى باسم الركوع، فيقال: ركعة، وباسم السجود، فيقال: سجدة، وهذا كثير في ألفاظ الحديث، مثل هذا الحديث وغيره.
الثالث: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - علق الإدراك مع الإمام بركعة، وهو نص في المسألة، ففي الصحيحين من حديث أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "من أدرك ركعة من الصلاة مع الإمام فقد أدرك الصلاة" وهذا نص رافع للنزاع [قلت: لو صح لكان كذلك، إلا أن هذه الزيادة: "مع الإمام" انفرد بها مسلم دون البخاري، وأعلها في الصحيح، فهو لم يخرجها مصححًا لها بل منبهًا على شذوذها].
الرابع: أن الجمعة لا تدرك إلا بركعة، كما أفتى به أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، منهم: ابن عمر، وابن مسعود، وأنس، وغيرهم، ولا يعلم لهم في الصحابة مخالف، وقد حكى غير واحد أن ذلك إجماع الصحابة، والتفريق بين الجمعة والجماعة غير صحيح، ولهذا أبو حنيفة طرد أصله، وسوى بينهما، ولكن الأحاديث الثابتة وآثار الصحابة تبطل ما ذهب إليه.
الخامس: أن ما دون الركعة لا يعتد به من الصلاة، فإنه يستقبلها جميعهًا منفردًا، فلا يكون قد أدرك مع الإمام شيئًا يحتسب له به، فلا يكون قد اجتمع هو والإمام في جزء من أجزاء الصلاة يعتد له به، فتكون صلاته جميعًا صلاة منفرد؛ يوضح هذا أنه لا يكون مدركًا للركعة إلا إذا أدرك الإمام في الركوع، داذا أدركه بعد الركوع لم يعتد له بما فعله معه، مع إنه قد أدرك معه القيام من الركوع والسجود وجلسة الفصل، ولكن لما فاته معظم الركعة - وهو القيام والركوع - فاتته الركعة، فكيف يقال مع هذا أنه قد أدرك الصلاة مع الجماعة، وهو لم يدرك معهم ما يحتسب له به، فإدراك الصلاة بإدراك الركعة، نظير إدراك الركعة بإدراك الركوع، لأنه في الموضعين قد أدرك ما يعتد له به، وإذا لم يدرك من الصلاة ركعة، كان كمن لم يدرك الركوع مع الإمام في فوت الركعة، لأنه في الموضعين لم يدرك ما يحتسب له به، وهذا من أصح القياس.
السادس: أنه ينبني على هذا: أن المسافر إذا ائتم بمقيم وأدرك معه ركعة فما فوقها

الصفحة 128