كتاب فضل الرحيم الودود تخريج سنن أبي داود (اسم الجزء: 5)

فبنى بعضهم على ذلك أن هذا الحديث إنَّما هو للصنابح بن الأعسر الصحابي، قال الطّبرانيّ: حدّثنا جعفر بن محمَّد الفريابي: ثنا إسحاق بن راهويه: ثنا وكيع، عن الصلت بن بهرام، عن الحارث بن وهب، عن الصنابح، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ... فذكره.
فقال وكيع: "عن الصنابح"، بغير ياء النسب؛ هكذا رواه عنه: إسحاق بن راهويه [الإمام الثقة الثبت المتقن]، وهارون بن إسحاق الهمداني الكوفيّ [ثقة] [إلا أنَّه لم يذكر في الإسناد الحارث بن وهب. عند: أبي نعيم في الصّحابة (٣٨٦٠)، والحلية (٨/ ٣٧٤)].
ورواه أبو بكر بن أبي شيبة [ثقة حافظ]، ويحيى بن عبد الحميد الحماني [صدوق كوفي، معروف بالرواية عن وكيع والأخذ عنه]: روياه عن وكيع به قال: "عن الصنابحي" بياء النسب. تقدم تخريجه.
والذي يظهر لي أن وكيع بن الجراح هو الذي اضطرب فيه فإنَّه كان يقول في حديث ابن الأعسر: "أنا فرطكم على الحوض"، يقول: "عن الصنابحي" فيهم فيه، وإنَّما هو الصنابح [انظر: التَّاريخ الكبير (٤/ ٣٢٧)، التَّاريخ الأوسط (١/ ٣٠٠/ ٦٢٥)، مسائل صالح (٥٩٠)، العلل ومعرفة الرجال (٣/ ٣٩٧/ ٥٧٤٧)، المؤتلف والمختلف (٣/ ١٤٥٧)]، وكذلك اضطرب هنا في هذا الحديث فمرة يقول؛ "عن الصنابح"، ومرَّة يقول: "عن الصنابحي"، والأخير هو الصواب، فقد رواه ابن نمير، وأبو معاوية، عن الصلت بن بهرام، عن الحارث بن وهب، عن أبي عبد الرحمن الصنابحي به.
وهذا مما يؤكد أن الذي كنى الصنابحي: أبا عبد الرحمن، إنَّما هو الصلت بن بهرام فأخطأ في ذلك وقلب اسمه فجعله كنيته، كما قال ابن عبد البر، وتقدم نقله.
وللصلت بن بهرام حديث آخر للصنابحي وهم فيه أيضًا بهذه الكنية، قال الدارقطني في العلل (١/ ٢٦٠/ ٥٢)، في بيان الاختلاف في حديث أبي عبد الله الصنابحي عبد الرحمن بن عسيلة، عن أبي بكر: أنَّه قرأ في صلاة المغرب ... ، قال: "ورواه الصلت بن بهرام، عن أبي صالح -ولم يسمه-، عن الصنابحي، وكناه أبا عبد الرحمن.
ووهم فيه، وإنَّما عبد الرحمن بن عسيلة أبو عبد الله".
• ووجه آخر يبين خطأ الطّبرانيّ بإيراد هذا الحديث في مسند الصنابح بن الأعسر:
وهو أن كبار الأئمة النقاد قد صرحوا بأن الصنابح بن الأعسر الأحمسي البجلي الكوفيّ: لم يرو عنه إلَّا قيس بن أبي حازم، مثل: الإمام مسلم في المنفردات والوحدان (٨)، والأزدي في المخزون (١٢٣)، والدارقطني في الإلزامات (٦٦).
وجماعتهم لم يذكروا فيمن روى عن الصنابح الأحمسي سوى قيس بن أبي حازم، مثل: البُخاريّ، وأبي حاتم، وابن المديني، ويعقوب بن شيبة، وابن حبان والدارقطني، وغيرهم.
ووجه ثالث: وهو أن الأئمة الكبار ذكروا للصنابح بن الأعسر حديثين فقط، مثل: البُخاريّ، وابن البرقي.

الصفحة 159