كتاب فضل الرحيم الودود تخريج سنن أبي داود (اسم الجزء: 5)

مراعاة النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - لاجتماع النَّاس وإبطائهم في الحضور لصلاة العشاء، كما في حديث جابر المتقدم برقم (٣٩٧)، وفيه: "والعشاء أحيانًا يؤخرها، وأحيانًا بعجل، كان إذا رآهم قد اجتمعوا عجل، وإذا رأهم قد أبطؤوا آخر"، واللفظ لمسلم.
قال ابن المنذر في الأوسط (٢/ ٣٣٨): "ثبتت الأخبار عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بأنه صَلَّى العشاء حين غاب الشفق ... ، وأجمع أهل العلم -إلَّا من شدَّ عنهم- على أن أول وقت العشاء الآخر إذا غاب الشفق، وانظر: الإجماع له (٤٩).
• قلت: صح عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنَّه صَلَّى العشاء حين غاب الشفق، من حديث ابن عباس، وجابر، وبريدة، وأبي موسى، وغيرهم.
إلَّا أن العلماء اختلفوا في الشفق، هل هو الحمرة أم البياض؟
والحقُّ أنَّه الحمرة لحديث النُّعمان هذا وغيره.
قال ابن عبد البر في الاستذكار (١/ ٧١): "واللغة تقضي أن الشفق اسم للبياض والحمرة جميعًا، والحجة لمن قال: إنَّه الحمرة: حديث النُّعمان بن بشير: كان الرسول - صلى الله عليه وسلم - يصلي العشاء لسقوط القمر لثالثة، وهذا لا محالة قبل ذهاب البياض".
وقال ابن العربي في أحكام القرآن (٤/ ٣٦٩): "وقال الخليل: رقبت مغيب البياض فوجدته يتمادى إلى ثلث الليل، وقال ابن أبي أويس: رأيته يتمادى إلى طلوع الفجر، فلما لم يتحدد وقته منه سقط اعتباره".
وقال ابن حزم في المحلى (٣/ ١٩٣): " ... وبرهان قاطع؛ وهو أنَّه قد ثبت أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حد وقت العتمة بأن أوله: إذا غاب الشفق، وآخره: ثلث الليل الأوَّل، وروي أيضًا: نصف الليل.
وقد علم كل من له علم بالمطالع والمغارب وديوان الشَّمس: أن البياض لا يغيب إلَّا عند ثلث الليل الأوَّل، وهو الذي حد -عَلَيْهِ السَّلام- خروج أكثر الوقت فيه، فصح يقينًا أن وقتها داخل قبل ثلث الليل الأوَّل بيقين، فقد ثبت بالنص أنَّه داخل قبل مغيب الشفق الذي هو البياض بلا شك، فإذ ذلك كذلك، فلا قول أصلًا إلَّا أنَّه الحمرة بيقين؛ إذ قد بطل كونه البياض"، ونقله ابن سيد النَّاس في شرح التِّرمذيِّ [انظر: النفح الشذي (٣/ ٤٠٤ - ٤٠٥)، نيل الأوطار (١/ ٤٨٩)].
وابن حزم -وهو يضعف حديث النُّعمان- قال: "ولو كان [يعني: حديث النُّعمان صحيحًا، لكان أعظم حجة لنا، لأنَّ الشفق الأبيض يبقى بعد هذه مدة طويلة بلا خلاف، وانظر بقية كلامه.
وممن قال بأن الشفق الحمرة: مالك بن أنس، وسفيان الثوري، وابن أبي ليلى، والشَّافعيّ، وأحمد، وإسحاق، وأبو ثور، ويعقوب، ومحمد، قاله ابن المنذر في الأوسط (٢/ ٣٤٠).
وممن قال بأنه البياض: عمر بن عبد العزيز، والأوزاعي، وأبو حنيفة [انظر:

الصفحة 174