كتاب فضل الرحيم الودود تخريج سنن أبي داود (اسم الجزء: 5)

حديثٌ صحيحٌ أخرجه البُخاريّ، ويأتي تخريجه تحت الحديث رقم (٧٨٨)، وبناء على ذلك؛ فنقول: إن سورة الأعراف سورة طويلة تستغرق تلاوتها بهذا الترتيل والمد في القراءة وقتًا طويلًا يزيد عن الوقت المذكور في غياب الحمرة، مما يعني خروج الوقت في أثناء الصَّلاة، وذلك مستبعد وقوعه من النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، ولو وقع لذكر الراوي وقوعه فإن هذا مما تتوفر الهمم والدواعي على نقله، ومن لازم إنكار زيد بن ثابت على مروان بن الحكم ملازمته لقراءة قصار المفصل في المغرب، وحضه على تطويل القراءة، ولو بالأعراف؛ من لازم ذلك أن يكون وقت المغرب يتسع لقراءتها قبل دخول وقت العشاء، وعلى هذا فيمكن القول بأن الحمرة ترق شيئًا فشيئًا حتَّى تستحيل لونًا آخر، كأن تكون بياضًا مشوبًا بحمرة، أو بصفرة، ويطول هذا قبل أن يغيب الشفق الأبيض المستعرض والذي يأخذ حكم الحمرة، ويحل مكانه البياض المستطير، والذي يمتد إلى ثلث الليل أو أكثر، والله أعلم.
ومما يؤيد هذا المعنى: ما رواه معمر بن راشد، عن عبد الله بن عثمان بن خثيم، عن ابن لبيبة، قال: جئت إلى أبي هريرة وهو جالس في المسجد الحرام، ... فذكر الأثر بطوله من قول أبي هريرة موقوفًا عليه، إلى أن قال: وصل العشاء إذا ذهب الشفق، وادلأم الليل من ها هنا، وأشار إلى المشرق، فيما بينك وبين ثلث الليل، وما عجلتَ بعد ذهاب بياض الأفق فهو أفضل.
أخرجه عبد الرَّزاق (١/ ٥٣٩/ ٢٠٤٠)، وابن أبي شيبة (١/ ٢٩١/ ٣٣٣٨) و (٢/ ٢٦٣/ ٨٨٠٦)، وابن المنذر في الأوسط (٢/ ٣٤١/ ٩٦٩) و (٢/ ٣٤٣/ ٩٧٢) و (٢/ ٣٧٢/ ١٠٤٣).
ابن لبيبة هو: عبد الرحمن بن نافع بن لبيبة الطائفي، سمع أبا هريرة، قال العجلي: تابعي ثقة، وذكره ابن حبان في ثقات التّابعين [التَّاريخ الكبير (٥/ ٣٥٧)، ثقات العجلي (١٠٧١)، الجرح والتعديل (٥/ ٢٩٤)، مغاني الأخيار (٢/ ٦٢٢)، عمدة القاري (٦/ ٤٣)]، وعبد الله بن عثمان بن خثيم: مكي صدوق.
وهذا موقوف بإسناد لا بأس به.
قال ابن خزيمة (١/ ١٨٤): "الواجب في النظر إذا لم يثبت عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - أن الشفق هو الحمرة، وثبت عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - أن أول وقت العشاء إذا غاب الشفق أن لا يصلِّي العشاء حتَّى يذهب بياض الأفق؛ لأنَّ ما يكون معدومًا فهو معدوم حتَّى يعلم كونه بيقين، فما لم يعلم بيقين أن وقت الصَّلاة قد دخل لم تجب الصَّلاة، ولم يجز أن يؤدي الفرض إلَّا بعد يقين أن الفرض قد وجب، فإذا غابت الحمرة والبياض قائم لم يغب فدخول وقت صلاة العشاء شك لا يقين، لأنَّ العلماء قد اختلفوا في الشفق، قال بعضهم: الحمرة، وقال بعضهم: البياض، ولم يثبت علمي عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - أن الشفق الحمرة، وما لم يثبت عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - ولم يتفق المسلمون عليه فغير واجب فرض الصَّلاة؛ إلَّا أن يوجبه الله أو رسوله أو المسلمون في وقتٍ، فإذا كان البياض قائمًا في الأفق وقد اختلف العلماء بإيجاب فرض صلاة العشاء ولم يثبت عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - خبر بإيجاب فرض الصَّلاة في ذلك الوقت، فإذا

الصفحة 177