كتاب فضل الرحيم الودود تخريج سنن أبي داود (اسم الجزء: 5)

قبورًا"، مما يدل على ضعف حديث أبي سعيد هذا عنده، وأنه ليس على شرطه كما زعم الحاكم، قال ابن حجر في الفتح (١/ ٥٢٩) شارحًا فعل البخاري: "استنبط من قوله في الحديث: "ولا تتخذوها قبورًا": أن القبور ليست بمحل للعبادة، فتكون الصلاة فيها مكروهةً، وكأنه أشار إلى أن ما رواه أبو داود والترمذي في ذلك ليس على شرطه، وهو حديث أبي سعيد الخدري مرفوعًا: "الأرض كلها مسجد؛ إلا المقبرة والحمام": رجاله ثقات؛ لكن اختلف في وصله وإرساله، وحكم مع ذلك بصحته الحاكم وابن حبان"، وانظر: عمدة القاري (٤/ ١٨٦)، وفتح الباري لابن رجب (٢/ ٤٣٠).
وذكره النووي في فصل الضعيف من الخلاصة (٩٣٨ - ٩٤٠)، وقال: "ضعفه الترمذي وغيره، قال: "هو مضطرب"، ولا يعارَض هذا بقول الحاكم: "أسانيده صحيحة" فإنهم أتقن في هذا منه، ولأنه قد تصح أسانيده وهو ضعيف لاضطرابه".
قلت: خلاصة ما عُلِّل به هذا الحديث:
١ - الاضطراب: وهو اختلاف الثقات على عمرو بن يحيى بن عمارة، حيث لا مرجح، وممن قال به الترمذي، والبغوي، وابن العربي، وكان ابن معين ذهب إليه، حين قال في عمرو بن يحيى: "ثقة؛ إلا أنه اختلف عنه في حديثين: "الأرض كلها مسجد" و"كان يسلم عن يمينه"" [التهذيب (٣/ ٣١٣)]، قال ابن حجر في هدي الساري (٤٣٢) بعد نقله كلام ابن معين: "لم يخرج البخاري له واحدًا منهما"، قلت: والذي يظهر أن القول بالاضطراب: قول مرجوح؛ لإمكان الترجيح.
٢ - الإرسال: وهو الصحيح؛ وذلك أن كلام بعض الأئمة -مثل الدارمي والدارقطني- يدل على أن الذين أرسلوه أكثر، لا سيما وفيهم من الحفاظ: سفيان الثوري وابن عيينة.
وعبد الواحد بن زياد هو الوحيد الذي لم يختلف عليه في وصله وإرساله، أو لم يشك في روايته؛ فكيف نرجح رواية الواحد على الجماعة الذين صح عنهم الإرسال، لا سيما وفيهم الحفاظ المتقنون.
وهذا القول هو قول أكثر الأئمة المتقدمين.
٣ - أن هذا الحديث قد رواه جمع كبير من الصحابة، منهم: أبو ذر الغفاري، وجابر بن عبد الله، وأبو هريرة، وحذيفة بن اليمان، وأنس بن مالك، وعلي بن أبي طالب، وأبي موسى الأشعري، وأبي أمامة، وعبد الله بن عمرو، وغيرهم [وقد تقدم تخريج هذه الأحاديث تحت الحديث الأسبق برقم (٤٨٩)]، فقالوا فيه: "جُعِلَتْ ليَ الأرضُ مسجدًا وطَهورًا"، ولم يذكر أحد منهم هذا الاستثناء الوارد في حديث أبي سعيد المعلول هذا، مما يؤكد ضعفه، والله أعلم.
• فإن قيل: له إسناد آخر يرويه: بشر بن المفضل: ثنا عمارة بن غزية، عن يحيى بن عمارة الأنصاري، عن أبي سعيد الخدري، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "الأرض كلها مسجد؛ إلا الحمام والمقبرة".

الصفحة 491