كتاب فضل الرحيم الودود تخريج سنن أبي داود (اسم الجزء: 5)

قلت: إسناده من لدن الأعمش فمن فوقه: إسناد صحيح متصل، سمع بعضهم من بعض [انظر: التاريخ الكبير (٣/ ٢١٥)، التاريخ الأوسط (٣/ ١٥/ ٢٣ و ٢٤)، صحيح مسلم (٩٩٦)].
وفي سماع ابن جريج هذا الحديث من الأعمش: نظر؛ فإنهما لمان كانا متعاصرين، بين وفاتيهما سنتان أو ثلاث فقط، فإني لم أقف لابن جريج على رواية له عن الأعمش في الكتب الستة، ولم أقف له في غيرها إلا على رواية واحدة عند عبد الرزاق في مصنفه (٩/ ٤٥٩/ ١٨٠١١) صرح فيها بالسماع، ورواية أخرى عند البخاري في التاريخ الكبير (٤/ ٢١٧) بالعنعنة، ورواية ثالثة يحكي فيها ابن جريج قصة دخول الأعمش على عطاء وما دار بينهما [أخرجها: ابن أبي خيثمة في التاريخ الكبير (٢٣٨ - أخبار المكيين)، والفاكهي في أخبار مكة (١/ ٤٥٣/ ٩٩٣)، وابن البختري في الحادي عشر من حديثه (١٠٤) [مجموع مصنفاته (٦٠٠)]. والرامهرمزي في المحدث الفاصل (٤٨٣ و ٥٥١)، [والحديث أصله في الصحيحين [البخاري (٢٥٠٥ و ٧٣٦٧)، مسلم (١٢١٦)] من طريق ابن جريج به بدون قصة الأعمش، ودخوله على عطاء].
فإذا قسنا ذلك بمرويات ابن جريج -وهو: من بحور العلم الذين يدور عليهم إسناد أهل الحجاز-، ومرويات الأعمش -وهو: من بحور العلم الذين يدور عليهم إسناد أهل العراق-، مع ما كان بين أهل المدرستين من اختلافٍ، أدى في بعض الأحوال إلى التحرز في التحديث أو الأخذ والتلقي عن الطرف الآخر.
إذا علمنا ذلك؛ ظهر لنا بجلاء لماذا جزم الإمام علي بن المديني بقوله في ابن جريج: "وقد رأى الأعمش ولم يرو عنه" [تاريخ بغداد (١٠/ ٤٠٠)، تهذيب الكمال (١٨/ ٣٤٧)].
فهذه حجة قوية على انقطاع هذا الإسناد بين ابن جريج والأعمش.
فإذا أضفنا إلى ذلك أن ابن جريج إنما يروي عن الأعمش بواسطة، وأن ابن جريج مكثر من التدليس، وهو قبيح التدليس، يدلس عن المجروحين، ولم يذكر الخبر في هذا الإسناد، تأكد لدينا أن ابن جريج قد دلَّس هذا الخبر عن الأعمش.
وقد روى ابن جريج أربعة أحاديث عن فافاه عن الأعمش، وقال في بعضها: أخبرني فافاه عن الأعمش [انظر: العلل ومعرفة الرجال (٣/ ١٧٩/ ٤٧٨٣ ب)، مشكل الآثار (١/ ١٨٤)، الثقات (٧/ ٣٢٥)، علل الدارقطني (٥/ ٧٦)، الموضح (١/ ٤١٩)، الإكمال لابن ماكولا (١/ ١٦٣)]، قال الطحاوي: "فافاه هذا: رجل من أهل الكوفة وأهل القرآن، واسمه: إسماعيل بن زياد"، وقال عثمان بن عيسى الآجري الكوفي: "إسماعيل، هو: ابن أبي زياد، وهو: إسماعيل بن مسلم مولى السكون، وهو: فافاه الذي يحدث عنه ابن جريج، وهو إسماعيل الكندي الذي يحدث عنه بقية"، وقال نحوه أبو العباس ابن عقدة، وتبعهما على ذلك ابن ماكولا، والخطيب في الموضح، وقال: "وقيل: هو فافاه الذي روى عنه ابن جريج"، لكنه في المتفق والمفترق (١/ ٣٦٢ - ٣٧٥) فرق بين الفأفاء وبين

الصفحة 498