كتاب فضل الرحيم الودود تخريج سنن أبي داود (اسم الجزء: 5)

إنكاره عليه تأخير الجمعة وهو يخطب معروفة، وكان أنس بن مالك حاضرًا، وقد خرجها بتمامها ابن أبي الدنيا في كتاب الأمر بالمعروف [وكذا أبو يعلى في مسنده (٢/ ٥٣٦ - ٥٣٩/ ١٤١١) فساقها ابن رجب، وإسنادها حسن، ثم قال:] فقد تبين بهذا السياق أن الصحابة والتابعين كانوا كلهم خائفين من ولاة السوء الظالمين، وأنهم غير قادرين على الإنكار عليهم، وأنه غير نافع بالكلية؛ فإنهم يقتلون من أنكر، ولا يرجعون عن تأخير الصلاة على عوائدهم الفاسدة ... [إلى أن قال:] فسئل أنس في ذلك الوقت عن وقت صلاة النبي - صلى الله عليه وسلم - فأخبر أنه كان يعجل في البرد، ويبرد في الحر، ومراده -والله أعلم- صلاة الظهر، وهذا هو الذي أمكن أنسًا أن يقوله في ذلك الوقت، ولم يمكنه من الزيادة على ذلك، وأكثر العلماء على أن الجمعة لا يبرد بها بعد الزوال، بل تعجل في أول الوقت ... ".
وانظر: طرح التثريب (٢/ ١٤٢ - ١٤٣).
وبهذا الجمع يتبين أن المراد من كلام أنس في وصف حال النبي - صلى الله عليه وسلم - في الإبراد والتعجيل إنما هو في صلاة الظهر لا الجمعة، فصح الاحتجاج إذًا بهذا الحديث على المراد، والله أعلم.
• ومما لا يصح في هذا الباب:
عن أنس [عند: أحمد (٣/ ١٣٥ و ١٦٠)، البيهقي (١/ ٤٣٩)].
وعن أنس: من طريق أخرى [عند: أبي يعلى (٣/ ١٦٣/ ٢٥٥ - مطالب)].
وعن أبي مسعود الأنصاري: وهو: شاذ، وقد تقدم برقم (٣٩٤).
• وهذا القول هو أعدل الأقوال وأصحها، وفيه إعمال لما صح من الأدلة وعدم إهمالها، والله أعلم.
وقول أصحاب الرأي بوجوب الإبراد: قول ضعيف؛ مخالف لما صح من حديث عمرو بن عبسة، عند مسلم (٨٣٢)، وغيره؛ وفيه: "فإذا أقبل الفيء فصلِّ، فإن الصلاة مشهودة محضورة، حتى تصلى العصر".
فوجب بذلك إعمال جميع الأحاديث الصحيحة وعدم إهمال شيء منها، فتحمل أحاديث الإبراد على شدة الحر، وعلى الاستحباب لا على الوجوب، وأحاديث التعجيل على خلاف ذلك، وأما حديث خباب وجابر وأنس -في الإتقاء- فهي منسوخة بحديث المغيرة، والله أعلم.
• القول الثالث:
وبه قال الشافعي وأكثر المالكية:
قال الشافعي في الأم (٢/ ١٥٩ و ١٦٠): "وتعجيل الحاضر الظهر، إمامًا ومنفردًا في كل وقت، إلا في شدة الحر، فإذا اشتد الحر آخر إمام الجماعة الذي ينتاب من البعد الظهر، حتى يبرد، بالخبر عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - . . . ، ولا يبلغ بتأخيرها آخر وقتها فيصليها

الصفحة 53