كتاب فضل الرحيم الودود تخريج سنن أبي داود (اسم الجزء: 5)

جميعًا معًا، ولكن الإبراد ما يعلم أنه يصليها متمهلًا، وينصرف منها قبل آخر وقتها, ليكون بين انصرافه منها وبين آخر وقتها فصل.
فأما من صلاها في بيته، أو في جماعة بفناء بيته، لا يحضرها إلا من بحضرته، فليصليها في أول وقتها لأنه لا أذى عليهم في حرها.
ولا تؤخر في الشتاء بحال، وكلما قدمت كان ألين على من صلاها في الشتاء.
ولا يؤخرها إمام جماعة ينتاب إلا ببلاد لها حر مؤذ كالحجاز، فإذا كانت بلاد لا أذى لحرها لم يؤخرها؛ لأنه لا شدة لحرها يرفعه على أحد بتنحية الأذى عنه في شهودها".
وهذه القيود التي قيد بها الشافعي الإبراد فيها نظر؛ قال الترمذي في الجامع بعد حديث أبي هريرة (١٥٧): "ومعنى من ذهب إلى تأخير الظهر في شدة الحر هو أولى وأشبه بالاتباع.
وأما ما ذهب إليه الشافعي أن الرخصة لمن ينتاب من البعد والمشقة على الناس، فإن في حديث أبي ذر ما يدل على خلاف ما قال الشافعي، قال أبو ذر: كنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في سفر فأذن بلال بصلاة الظهر، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "يا بلال أبرد، ثم أبرد" فلو كان الأمر على ما ذهب إليه الشافعي لم يكن للإبراد في ذلك الوقت معنى؛ لاجتماعهم في السفر، وكانوا لا يحتاجون أن ينتابوا من البعد".
وقال ابن المنذر في الأوسط (٢/ ٣٦١): "ولا فرق بين المصلي في بيته، أو في جماعة بفناء بيته، أو في المساجد التي تنتاب من البعد، وذلك أن النبي - صلى الله عليه وسلم - عم ولم يخص، ولو كان له مراد لبين ذلك، وليس لأحد أن يستثني من الحديث إلا بحديث مثله، وهذا يلزم القائلين بعموم الأخبار".
وقال الشوكاني في نيل الأوطار (١/ ٤٥٨): "وظاهر الأحاديث عدم الفرق بين الجماعة والفرد".
وقد انتصر للشافعي جماعة، انظر: الفتح (٢/ ٢١) وغيره.
ومن أقوى ما يرد به على من قيد الإبراد بقيود: تعليل الإبراد بأن وقت الهاجرة هو وقت تنفس جهنم، كما جاء ذلك صريحًا في بعض الأحاديث الصحيحة, قال ابن رجب في الفتح بعد أن ذكر بعضها: "وهذا يدل على أن شدة الحر عقيب الزوال من أثر تسجرها، فكما تمنع الصلاة وقت الزوال، فإنه يستحب تأخرها بعد الزوال حتى يبرد حرها، ويزول شدة وهجها، فإنه إثر وقت غضب، والمصلي يناجي ربه، فينبغي أن يتحرى بصلاته أوقات الرضا والرحمة، ويتجنب أوقات السخط والعذاب، وعلى هذا فلا فرق بين المصلي وحده وفي جماعة، ... ".
• القول الرابع:
قال ابن رجب في الفتح (٣/ ٦٨): "وذهبت طائفة من العلماء إلى أن الإبراد رخصة،

الصفحة 54