كتاب فضل الرحيم الودود تخريج سنن أبي داود (اسم الجزء: 5)
قال: أذن مؤذن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالظهر، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "أبرد، أبرد"، أو قال: "انتظر، انتظر" الحديث [البخاري (٥٣٥)، مسلم (٦١٦)]، والتي ظاهرها أن بلالًا أذن بالظهر حين زالت الشمس في أول وقتها، ثم أمر بتأخير الإقامة إلى الإبراد، وإلى هذا ذهب البيهقي فقال: "وفي هذا كالدلالة على أن الأمر بالإبراد كان بعد التأذين، وأن الأذان كان في أول الوقت".
قلت: الأولى حمل رواية الواحد على رواية الجماعة لا العكس؛ إذ ظاهر رواية الجماعة: "فأراد المؤذن أن يؤذن، فقال: "أبرد"، ظاهرها أن الأمر بالإبراد كان قبل أن يشرع بلال في التأذين، يعني أنه لما تهيأ للأذان أمر بالأبراد، وعلى هذا يمكن تأويل رواية غندر، أو يقال فيها بأنه لما شرع في التأذين منع من إتمامه، فلم يتمه كما يبين ذلك رواية وهب بن جرير [عند أبي عوانة (١٠١٩)، والطحاوي (١/ ١٨٦)]، ففيها: فأذن بلال، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "مه يا بلال"، ثم أراد أن يؤذن فقال: "مه يا بلال"، ثم أراد أن يؤذن فقال: "مه يا بلال"، حتى رأينا فيء التلول. . .، فهذه الرواية ظاهرة في كونه شرع في التأذين ثم زجره النبي - صلى الله عليه وسلم - عن إتمامه وأمره بالسكوت، وقوله: "مه" أي: اكفف.
وعلى هذا فلا ينبغي أن يتمسك برواية الطيالسي وغندر على أن السنة في السفر تقديم الأذان في أول الوقت وإن أراد الإبراد، وذلك لاحتمالها للتأويل لتوافق رواية جماعة الحفاظ عن شعبة، والتي تدل على أن السنة في السفر أن الأذان يؤخر إلى وقت النزول للصلاة، أو إلى وقت القيام لها عند الإبراد، ومما يزيد هذا المعنى بيانًا، وإزالة للإشكال: رواية أبي عمر حفص بن عمر الحوضي [عند أبي عوانة (١٠١٧)]: كنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في مسير، فأراد بلال أن يؤذن بالظهر، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أبرد"، ثم أراد أن يؤذن، فقال له: "أبرد"، حتى رأينا فيء التلول، ثم أمره فأذن وأقام فلما صلى قال:. . . الحديث، فهي نص في تأخير الأذان إلى وقت الإبراد.
هذا في السفر، أما في الحضر فإنه يؤذن للصلاة في أول وقتها للإعلام بدخول الوقت، ثم يبرد إن شاء، لحديث جابر بن سمرة: أن بلالًا كان يؤذن الظهر إذا دحضت الشمس، ويأتي برقم (٤٠٣)، وأصله في مسلم (٦١٨).
تنبيه ثالث: وقع في رواية مسلم بن إبراهيم الفراهيدي [عند البخاري (٦٢٩)]، ورواية عبد الرحمن بن مهدي [عند ابن خزيمة (٣٩٤)]: حتى ساوى الظل التلول:
قال ابن رجب في الفتح (٣/ ٥٤٠): "ظاهره أنه آخر صلاة الظهر يومئذ إلى أن صار ظل كل شيء مثله، وهو آخر وقتها.
وهذا يحتمل أمرين:
أحدهما: أنه صلاها في آخر وقتها قبل دخول وقت العصر.
والثاني: أنه أخرها إلى دخول وقت العصر؛ وجمع بينهما في وقت العصر. . .
[ثم استظهر الأول فقال:] ولكن الأظهر هو الأول، ولا يلزم من مصير ظل التلول
الصفحة 6
559