كتاب فضل الرحيم الودود تخريج سنن أبي داود (اسم الجزء: 5)

وقوله - صلى الله عليه وسلم -: "لينتهين رجال، أو لأحرقن بيوتهم"؛ يعني: في ترك صلاة الجماعة.
وأما عمرو بن أبي حكيم فزاد في الإسناد: عروة بن الزبير بين الزبرقان وزيد بن ثابت.
وجعل الحديث كله من مسند زيد بن ثابت.
والذي يظهر لي -والله أعلم- أن زيادة عمرو بن أبي حكيم في الإسناد مقبولة؛ فإنه ثقة يعتمد على حفظه.
وابن أبي ذئب لم يحفظ هذه الزيادة في الإسناد.
وزيادة ابن أبي ذئب أيضًا مقبولة، فإنه أحفظ وأضبط من عمرو بن أبي حكيم، وذلك أن المرفوع إنما هو من مسند أسامة بن زيد، لا من مسند زيد بن ثابت، فصله ابن أبي ذئب، وجعل عمرو بن أبي حكيم الحديث كله لزيد، وأسقط أسامة بن زيد، ولم يحفظه من الحديث، والله أعلم.
قال ابن حبان في الثقات (٦/ ٣٤٠): "الزبرقان بن عبد الله بن عمرو بن أمية الضمري: يروي عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، روى عنه: ابن أبي ذئب وعمرو بن أبي حكيم، وقد وهم من زعم أنه سمع من زيد بن ثابت، بينه وبين زيد في خبره: عروة بن الزبير".
فهو بذلك يقبل زيادة عمرو في الإسناد، وإثبات عروة بين الزبرقان وزيد.
ولهذا جزم جماعة من المتأخرين بعدم سماع الزبرقان من زيد وأسامة [انظر: تهذيب الكمال (٩/ ٢٨٥)، جامع التحصيل (١٩٤)، تحفة التحصيل (١٠٩)، إكمال مغلطاي (٥/ ٣٣)].
وأما الذي دعاني إلى القول بأن المرفوع إنما هو من مسند أسامة، لا من مسند زيد:
فهو حفظ ابن أبي ذئب، وتقدمه في الرواية، والشهرة بالطلب، وكثرة حديثه، من جهة.
ومن جهة أخرى: فإن فتوى زيد بن ثابت بأن الصلاة الوسطى هي الظهر: مشتهرة عنه من طرق بعضها صحيح [انظر: السنن الكبري للنسائي (١/ ٢٢١/ ٣٦١)، مصنف عبد الرزاق (٢١٩٨ و ٢١٩٩ و ٢٢٠٠)، مصنف ابن أبي شيبة (٢/ ٢٤٤ و ٢٤٥/ ٨٦٠٥ و ٨٦١٧)، جامع البيان (٢/ ٥٧٦)، سنن البيهقي (٩/ ٤٥١)، وغيرها]، وليس في شيء منها بعض هذا المرفوع.
ومن جهة ثالثة: اشتملت رواية ابن أبي ذئب على قصة؛ مما يدل على أنه حفظ ما لم يحفظه عمرو بن أبي حكيم.
والحديث: صحيح بإثبات عروة في الإسناد بين الزبرقان وزيد.
فإن قيل: إسناده منقطع؛ لعدم سماع عروة من زيد، كما ذكر ذلك عن ابن المديني والدارقطني؟
قلت: بل إسناده صحيح متصل! وأما ما ذكر عن ابن المديني، فهو ما قال العلائي

الصفحة 87