كتاب فضل الرحيم الودود تخريج سنن أبي داود (اسم الجزء: 6)

الرواية فيه تكلف الأذان خمس مرات في اليوم والليلة في المسجدين على رؤوس المهاجرين والأنصار، ومؤذنو مكة آل أبي محذورة، وقد أذن أبو محذورة لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وعلمه الأذان، ثم ولاه بمكة، وأذن آل سعد القرظ من زمن النبي - صلى الله عليه وسلم - بالمدينة، وزمن أبي بكر، كلهم يحكون الأذان والإقامة والتثويب وقت الفجر، كما قدره، فإن جاز أن يكون هذا غلط من جماعتهم، والناس بحضرتهم، ويأتينا من طرف الأرض من يعلمنا، جاز له أن يسألنا عن عرفة، وعن منى، ثم يخالفنا، ولو خالفنا في المواقيت؛ كان أجوز له في خلافنا من هذا الأمر الظاهر المعمول به -يريد الترجيع في الأذان وإفراد الإقامة-". ونقل بعضه الحازمي في الاعتبار (١/ ٣٠٢)، وانظر: السنن الكبرى (١/ ٤١٧)، الأوسط (٣/ ١٩).
وقال الخطابي في المعالم (١/ ١٣١): "ولم يزل ولد أبي محذورة -وهم الذين يلون الأذان بمكة- يفردون الإقامة، ويحكونه عن جدهم،. . ."، ونقل بعضه البغوي في شرح السنة (٢/ ٥٨).
قال في نصب الراية (١/ ٢٦٨): "وأجاب الشيخ [يعني: ابن دقيق العيد، في الإمام بأن عدم تخريج مسلم له ليس بمقتضٍ لعدم صحته؛ لأنه لم يلتزم إخراج كل الصحيح، وما أخرجه البيهقي من روايات ولد أبي محذورة فلم يقع لها في الصحيح ذكر، ثم إن لحديث همام ترجيحات:
أحدها: أن رجاله رجال الصحيح، وأن أولاد أبي محذورة لم يخرج لهم في الصحيح.
الثاني: أن فيه ذكر الكلمات: تسع عشر، وسبع عشر، وهذا ينفي الغلط في العدد، بخلاف غيره من الروايات؛ فإنه قد يقع فيها اختلاف وإسقاط.
الثالث: أنه قد وجد متابعة لهمام في روايته عن عامر، كما أخرجه الطبراني عن سعيد بن أبي عروبة. . . [فذكره، وقد سبق أن بيَّنا أنها رواية غير محفوظة، ثم قال:].
ثم إنه معارض بتصحيح الترمذي له.
وقوله: إن هذا لم يدم عليه أبو محذورة، فهذا داخل في باب الترجيح، لا في باب التضعيف؛ لأن عمدة التصحيح عدالة الراوي، وتركُ العمل بالحديث لوجود ما هو أرجح منه لا يلزم منه ضعفه، ألا ترى أن الأحاديث المنسوخة يحكم بصحتها إذا كانت رواتها عدولًا، ولا يعمل بها لوجود الناسخ، وإذا آل الأمر إلى الترجيح فقد تختلف الناس فيه، فالبيهقي صدَّر كلامه بما يقتضى أن الحديث غير محفوظ، وفي آخر كلامه ما يقتضى أنه غير معمول به". وانظر: (١/ ٢٧٣).
وقال ابن حجر في التلخيص (١/ ٢٠٠): "وتكلم البيهقي عليه بأوجُهٍ من التضعيف، رَدَّها ابن دقيق العيد في الإمام، وصحح الحديث".
قلت: الكلام في هذا من وجوهٍ -إضافةً إلى ما قاله صاحب الإمام-:

الصفحة 14