كتاب فضل الرحيم الودود تخريج سنن أبي داود (اسم الجزء: 6)

قال: لا، ومن صلى خلفه يعيد. قيل له: فحديث معاذ؟ قال: فيه اضطراب، وإذا ثبت فله معنى دقيق، لا يجوز مثله اليوم" [طبقات الحنابلة (١/ ٩٢)].
وكذا نقل عدم الجواز عن أحمد: أبو الحارث وحنبل والمروذي [المغني (٢/ ٣٠)، الفتح لابن رجب (٤/ ٢٢٧ و ٢٢٨)].
قلت: قد اطلع النبي - صلى الله عليه وسلم - على فعل معاذ، وأقره على ذلك، وهو حديث صحيح ثابت، لا اضطراب فيه، ولم ينفرد ابن عيينة بهذا السياق، فقد تابعه عليه: شعبة، وسَلِيم بن حيان الهذلي، وحماد بن سلمة، وتفرُّد عمرو بن دينار بذلك لا يضره، فهو حديث صحيح لا شك في صحته، اتفق على تصحيحه الشيخان وغيرهما، وتقدم بيان ذلك في أثناء حديث عمرو بن دينار، لكن معاذًا لم يكن يصلي فرض العشاء في اليوم مرتين، وإنما كان يصلي فرضه مع النبي - صلى الله عليه وسلم -، ثم يصلي بقومه تطوعًا، وهي لهم فريضة، والقول بأن هذا كان في أول الإسلام، أو كان لقلة من يحفظ كتاب الله: فهو قول ضعيف جدًّا، وقد أنكره ابن حزم في المحلى إنكارًا شديدًا، وساق في رده حجة قوية، فلينظر [وانظر أيضًا: مسائل ابن هانئ (٣٠٢)، المغني (٢/ ٣٠)، فتح الباري لابن رجب (٤/ ٢٢٩)].
وقد ذهب ابن قدامة في المغني (٢/ ٣٠) إلى أن رواية الجواز عن أحمد: أصح، واحتج لها بحديث معاذ، وحديث صلاة الخوف.
وترجم البخاري لحديث معاذ بقوله: "باب: إذا صلى ثم أمَّ قومًا"، قال ابن رجب في الفتح (٤/ ٢٢٦): "مراده بهذا: أن اقتداء المفترض بالمتنفل صحيح، استدلالًا بهذا الحديث".
وقال الترمذي: "والعمل على هذا عند أصحابنا الشافعي وأحمد وإسحاق قالوا إذا أمَّ الرجل القوم في المكتوبة وقد كان صلاها قبل ذلك أن صلاة من ائتم به جائزة".
وبوَّب عليه النسائي بقوله: "اختلاف نية الإمام والمأموم".
وقال ابن خزيمة في صحيحه (٣/ ٦٤ و ٦٥): "باب إباحة ائتمام المصلي فريضة بالمصلي نافلة، ضد قول من زعم من العراقيين أنه غير جائز أن يأتم المصلي فريضة بالمصلي نافلة"، ثم قال: "باب ذكر البيان أن معاذًا كان يصلي مع النبي - صلى الله عليه وسلم - فريضة، لا تطوعًا؛ كما ادعى بعض العراقيين".
وقال ابن المنذر في الأوسط (٤/ ٢١٩): "وقد اختلف أهل العلم في هذا الباب: فقالت طائفة بظاهر هذين الحديثين، وممن قال ذلك: عطاء بن أبي رباح، وطاوس، وبه قال: الشافعي، وأحمد بن حنبل، وسليمان بن حرب، وأبو ثور، وقال بمثل هذا المعنى الأوزاعي.
وقالت طائفة: كل من خالفت نيته نية الإمام في شيء من الصلاة لم يعتد بما صلى معه، واستأنف، هذا قول: مالك بن أنس، وروي معنى ذلك عن الحسن البصري، وأبي قلابة، وبه قال: الزهري، وربيعة، ويحيى بن سعيد، وحكي أبو ثور عن الكوفي أنه قال:

الصفحة 638