كتاب فضل الرحيم الودود تخريج سنن أبي داود (اسم الجزء: 6)

إن كان الإمام متطوعًا لم يُجْزِ من خلفه الفريضة، كان كان الإمام مفترضًا وكان من خلفه متطوعًا كانت صلاتهم جائزة .....
قال: وبالذي دل عليه خبر معاذ بن جبل، وخبر جابر بن عبد الله نقوله، وكان مؤديًا ما نوى، ولا تفسد صلاتي بصلاة غيري، ولا تنفعني نية غيري".
واحتج ابن حبان بهذا الخبر على أن معاذًا كان يصلي مع النبي - صلى الله عليه وسلم - الفريضة، ثم ينصرف إلى قومه فيصلي بهم نافلة، وهي لهم فريضة، قال ابن حبان: "ذكر الخبر المدحض قول من زعم أن معاذًا لم يكن يؤم قومه بصلاة العشاء التي كانت فرضه المؤداة مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -"، وقال أيضًا: "ذكر الخبر المدحض قول من زعم أن معاذًا كان يصلي بالقوم فرضه لا نفله".
وقال ابن شاهين في الناسخ (٢٥٠): "وأما حديث معاذ: فإنه كان يصلي فريضة مع النبي - صلى الله عليه وسلم -، ثم يأتي قومه وكان إمامهم فيصلي بهم، فتكون له نافلة ولهم فريضة، ولا خلاف بين أهل النقل للحديث أنه حديث صحيح الإسناد.
وقد اختلف الفقهاء هل تجوز الصلاة إذا اختلفت النيتان: نية الإمام والمأموم، أم لا؟ فأجازها قوم، وردها آخرون، وسمعت أحمد بن سلمان الفقيه يقول: سمعت إبراهيم بن إسحاق، يسأله رجل من أهل خراسان: إذا صلى الإمام تطوعًا ومن خلفه فريضة؟ قال: لا يجزيهم، قال: فأين حديث معاذ بن جبل؟ قال إبراهيم الحربي: حديث معاذ قد أعيا القرون الأولى".
وقال ابن بطال في شرح البخاري (٢/ ٣٣٨): "وأما معاذ فإنه كان يصلي مع الرسول - صلى الله عليه وسلم - فرضه، لا يجوز غير ذلك لقوله عليه السلام: "إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة"، فكيف يجوز أن ينويها نافلة فيخالف أمره عليه السلام، ويرغب عن أداء فرضه معه، مع علمه بفضل صلاته معه"، ثم احتج برواية ابن جريج، عن عمرو بن دينار، وفيها: "هي له تطوع، ولهم فريضة"، ثم ساق كلام الطحاوي بخلاف ذلك في المسألة.
وقال ابن حزم في المحلى (٤/ ٢٢٣ - ٢٣١): "ولا نبالي باختلاف نيَّة الإمام والمأموم، وجائزٌ صلاة الفرض خلف المتنفِّل، والمتنفِّل خلف من يصلي الفرض، وصلاة فرض خلف من يصلي صلاة فرض أخرى، كل ذلك حسن وسنَّة".
وقال أيضًا: "وإنما يجب الكلام في وجوب اتفاق نية الإمام والماموم، أو في سقوط وجوبه، فإذا سقط وجوبه صحت المسائل التي ذكرنا كلها؛ لأنها مبنية على هذا الأصل، ومُنْتَجة منه"، ثم قال: "إنه لم يأت قط قرآن ولا سنة ولا إجماع ولا قياس يوجب اتفاق نية الإمام والمأموم، وكل شريعة لم يوجبها قرآن ولا سنة ولا إجماع فهي غير واجبة، وهذه شريعة لم يوجبها شيء مما ذكرنا؛ فهي باطل، ثم البرهان يقوم على سقوط وجوب ذلك، وقد كان يكفي من سقوطه عدم البرهان على وجوبه"، إلى أن قال: "فإن قالوا: قد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إنما جعل الإمام ليؤتم به"، قلنا: نعم، وقد بيَّن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في

الصفحة 639