كتاب فضل الرحيم الودود تخريج سنن أبي داود (اسم الجزء: 6)

وقال ابن عبد البر في الاستذكار (٢/ ١٧١): "ومحال أن يرغب معاذ عن صلاة الفريضة مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لصلاته مع قومه، وهو يعلم فضل ذلك، وفضل صلاة الفريضة في مسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وخلفه - صلى الله عليه وسلم -، والدليل على صحة هذا التأويل أيضًا: قوله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة"، فنهى أصحابه وسائر أمته أن يشتغلوا بنافلة إذا أقيمت المكتوبة، فكيف يظن بمعاذ أن يترك صلاة لم يصلها بعد، ولم يقض ما افترض عليه في وقتها، ويتنفل، وتلك تقام في مسجد النبي - صلى الله عليه وسلم -، وهو - صلى الله عليه وسلم - قد قال لهم: لا صلاة إلا المكتوبة التي تقام، وقد روى ابن جريج عن عمرو بن دينار عن جابر: أن معاذًا كان يصلي مع النبي - صلى الله عليه وسلم - العشاء ثم ينصرف إلى قومه فيصلي بهم، هي له تطوع، ولهم فريضة، وهذا نص في موضع الخلاف".
وقال في التمهيد (٢٤/ ٣٦٨) عن حديث معاذ من رواية ابن جريج بالزيادة: "وهو حديث ثابت صحيح، لا يختلف في صحته"، إلى أن قال: "وقد أجمعوا أنه جائز أن يصلي النافلة خلف من يصلي الفريضة إن شاء، وفي ذلك دليل على أن النيات لا تراعي في ذلك والله أعلم".
وقال البغوي في شرح السنة (٣/ ٤٣٥): "وفيه دليل على جواز صلاة المفترض خلف المتنفل، لأن معاذًا كانت صلاته الثانية نافلة، وصلاة القوم خلفه فريضة، وهو قول: عطاء، وطاوس، وبه قال: الأوزاعي، والشافعي، وأحمد، وذهب هؤلاء إلى أن اختلاف نية الإمام والمأموم لا يمنع صحة صلاة المأموم.
وذهب أصحاب الرأي إلى أن اختلاف نية الإمام والمأموم يمنع صحة صلاة المأموم، إلا في موضع واحد، وهو أن يصلي التطوع خلف من يصلي الفريضة، قالوا: يجوز. وذهب قوم إلى أن اختلاف نيتهما يمنع صحة صلاة القوم بكل حال، وبه قال: الزهري، وربيعة، ومالك" [وانظر أيضًا: شرح السنة (٣/ ٧٣)].
وقال النووي في شرح مسلم (٤/ ١٨١): "ولم يجزه ربيعة ومالك وأبو حنيفة - رضي الله عنهم - والكوفيون، وتأولوا حديث معاذ - رضي الله عنه - على أنه كان يصلي مع النبي - صلى الله عليه وسلم - تنفلًا، ومنهم من تأوله على أنه لم يعلم به النبي - صلى الله عليه وسلم -، ومنهم من قال: حديث معاذ كان في أول الأمر ثم نسخ، وكل هذه التأويلات دعاوى لا أصل لها، فلا يترك ظاهر الحديث بها".
وقال في المجموع (٤/ ٢٣٨): "فإن قالوا: لعل معاذًا كان يصلي مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نافلة وبقومه فريضة، فالجواب من أوجه: أحدها: أن هذا مخالف لصريح الرواية، الثاني: الزيادة التي ذكرناها: "هي له تطوع، ولهم مكتوبة العشاء"، صريح في الفريضة، ولا يجوز حمله على تطوع، الثالث: جواب الشافعي والخطابي وأصحابنا وخلائق من العلماء: أنه لا يجوز أن يظن بمعاذ مع كمال فقهه وعلو مرتبته أن يترك فعل فريضة مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وفي مسجده، والجمع الكثير المشتمل على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعلي كبار المهاجرين والأنصار، ويؤديها في موضع آخر ويستبدل بها نافلة، قال الشافعي: كيف يظن أن معاذًا

الصفحة 641