كتاب فضل الرحيم الودود تخريج سنن أبي داود (اسم الجزء: 6)

يجعل صلاته مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - التي لعل صلاة واحدة معه أحب إليه من كل صلاة صلاها في عمره ليست معه وفي الجمع الكثير نافلة، الرابع: جواب الخطابي وغيره: ولا يجوز أن يظن بمعاذ أنه يشتغل بعد إقامة الصلاة لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولأصحابه بنافلة، مع قوله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة" [انظر: معالم السنن للخطابي (١/ ١٤٧)] [وقد رد بعض الشافعية على هذا الدليل الأخير من وجه ضعيف. انظر: الإعلام لابن الملقن (٣/ ٣٨٢)، الفتح لابن حجر (٢/ ١٩٦)، والصحيح: أن الفريضة إذا أقيم لها تتعين على من لم يؤدها، فإذا أداها جاز له بعد ذلك أن يصليها نفلًا إذا أقيمت مرة أخرى، لأن الأولى قد أوقعها فرضًا؛ فبرئت بها الذمة، وسقطت عنه المطالبة، وصادفت الثانية محلًا خاليًا عن المطالبة بالفرض، وذمةً بريئةً من الواجب، فامتنع إيقاعها إلا نفلًا، كمن نوى الحج تطوعًا عن نفسه أو عن غيره، ولم يحج الفريضة، وقعت عن نفسه فرضًا، وكذا العكس].
وقال ابن الملقن في الإعلام (٣/ ٣٧٨): "في الحديث دلالة ظاهرة على صحة صلاة المفترض خلف المتنفل، وهو مذهب الجمهور، لأن معاذًا كان يصلي الفريضة مع النبي - صلى الله عليه وسلم - فيسقط فرضه، ويصلي مرة ثانية بقومه، له تطوع، ولهم مكتوبة، وكذا جاء مصرحًا به في رواية الشافعي، ثم البيهقي".
• وقد احتج الأئمة في هذا المعني أيضًا بحديث جابر وأبي بكرة في صلاة الخوف ببطن نخل لما صلى النبي - صلى الله عليه وسلم - بكل طائفة ركعتين، وفي رواية لحديث جابر بن عبد الله: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلى بأصحابه، بطائفة منهم ركعتين، ثم سلم، ثم صلى بالأخرى ركعتين، ثم سلم [ويأتي تخريجه إن شاء الله تعالى في سنن أبي داود برقم (١٢٤٨)]، فكانت الطائفة الثانية مصلية فرضها، والنبي - صلى الله عليه وسلم - متنفل، قال الشافعي: "والآخرة من هاتين للنبي - صلى الله عليه وسلم - نافلة، وللآخرين فريضة"، والله أعلم.
[وانظر أيضًا: شرح المعاني (١/ ٤٠٨)، الحاوي الكبير للماوردي (٢/ ٣١٧)، المعرفة للبيهقي (٢/ ٣٦٩)، مختصر الخلافيات (٢/ ٢٩٤)، التمهيد لابن عبد البر (٢٤/ ٣٦٨)، الاستذكار (٢/ ١٧٠)، المبسوط للسرخسي (١/ ١٣٦)، عارضة الأحوذي (٣/ ٥٤)، بدائع الصنائع (١/ ١٤٣)، المغني (٢/ ٣٠)، المفهم لما أشكل من تلخيص مسلم (٢/ ٧٦)، شرح مسلم للنووي (٤/ ١٨٣)، المجموع شرح المهذب (٤/ ٢٣٦)، فتح القدير لابن الهمام (١/ ٣٧١)، الذخيرة (٢/ ٢٤٣)، إحكام الأحكام لابن دقيق العيد (١/ ٢٩٦)، الإعلام بفوائد عمدة الأحكام (٣/ ٣٧٥ - ٣٨٩)، نصب الراية (٢/ ٥٢)، طرح التثريب (٢/ ٢٣٩ - ٢٤٨)، المبدع (٢/ ٨٠)].
• وأما صلاة المتنفل خلف المفترض، فقد نقل ابن عبد البر الإجماع على جوازها، فقال في التمهيد (٢٤/ ٣٦٨): "وقد أجمعوا أنه جائز أن يصلي النافلة خلف من يصلي الفريضة إن شاء"، وقد أنكر ابن دقيق العيد على من نقل عن مالك المنع من ذلك [إحكام الأحكام (١/ ٢٩٧)].

الصفحة 642